في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتتراجع فيه المواقف، برزت العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني كواحدة من أكثر الظواهر السياسية خطورةً على الأمن القومي العربي، وعلى وجدان الأمة الذي كان يرى في القضية الفلسطينية بوصلة الشرف ومقياس العروبة.
لقد تجاوزت الإمارات مرحلة “التطبيع الدبلوماسي” إلى مرحلة التحالف السياسي والعسكري والاستخباراتي العلني مع إسرائيل.
فما بين اتفاقيات اقتصادية ضخمة، وصفقات عسكرية مشتركة، وتبادل زيارات رسمية على أعلى المستويات، أصبح الكيان الصهيوني حليفًا معلنًا في قلب الخليج العربي، بعد أن كان في نظر الشعوب عدوًا غاصبًا لا يمكن التعايش معه.
مشروع تطبيع بوجه استعماري جديد
لم يكن هذا التحالف كما تدّعي أبوظبي بوابة سلام، بل بوابة لاختراق جسد الأمة العربية من الداخل.
إسرائيل وجدت في الإمارات مدخلًا واسعًا للتمدد في العالم العربي اقتصاديًا وأمنيًا وإعلاميًا، مستخدمةً ثروات الخليج لتلميع صورتها وإضعاف الوعي الشعبي المقاوم لها.
ومن خلال المال والإعلام والسياسة، سعت إلى خلق حروبٍ وصراعاتٍ داخلية تُلهي الشعوب عن قضيتها الأم — فلسطين — وتُحوّل العداء من “العدو الصهيوني” إلى صراعاتٍ عربيةٍ-عربيةٍ مفتعلة.
اليمن في قلب الاستهداف
ولم تكن اليمن بعيدة عن هذا المشروع.
فقد عملت إسرائيل عبر أدواتها في المنطقة، وبالأخص عبر النفوذ الإماراتي، على تفكيك اليمن من الداخل، مستخدمةً بعض الشخصيات التي ارتهنت لأجندات الخارج،
طارق عفاش في المخا .. وعيدروس الزبيدي في عدن الذي باعوا أنفسهم للشيطان وتخلو عن ثوابت الوطن.
ظهرت وجوههم باهتة تحاول تمثيل اليمن زورًا، وهي في حقيقتها لا تُمثل إلا نفسها ومموليها، وتسعى لتقسيم البلاد وجرّها إلى مشاريع لا تخدم إلا أعداء الأمة.
لكن الشعب اليمني، الذي عُرف بوعيه وصلابته، يدرك تمامًا أبعاد هذه المؤامرة.
فهو يعلم أن ما يُراد لليمن ليس سوى تحويلها إلى ساحة نفوذ وتصفية حسابات، وأن تطبيع الإمارات مع الكيان الصهيوني لم يكن إلا خطوة في مشروعٍ أكبر هدفه إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم إسرائيل ويُضعف محور المقاومة.
وعي الشعب اليمني خط الدفاع الأول
لقد أثبتت الأحداث أن اليمن، رغم الحصار والعدوان والتحديات، ما زال قلعةً منيعةً في وجه التطبيع والتبعية.
فالشعب الذي قدّم الشهداء ووقف إلى جانب فلسطين في وجه الاحتلال، لا يمكن أن يقبل بأن تتحول أرضه إلى قاعدة لأعداء الأمة.
والمعركة اليوم لم تعد فقط بالسلاح، بل هي معركة وعي وإرادة؛ وعيٌ يرفض التزييف، وإرادةٌ تُصِرّ على أن تكون اليمن حرةً مستقلةً، لا تتبع أحدًا ولا تُدار من خلف البحار.
وختاما نقول
ما بين تل أبيب وأبوظبي تُنسَج خيوط كثيرة، لكن خيوط التاريخ لا تنسج إلا الحقائق الدائمة:
أن كل من خان قضايا الأمة زال، وكل من وقف مع المظلومين بقي خالدًا في ضمير الشعوب.
وستبقى اليمن، رغم كل الجراح، صوتًا عربيًا أصيلًا يرفض الانحناء، ويحمل راية الكرامة والعزة، ويقف مع فلسطين قلبًا وقالبًا، لأن العروبة بلا فلسطين لا معنى لها، ولأن فلسطين بلا اليمن تفقد أحد أنبل المدافعين عنها.