hajjahnews

الضربات اليمنية توجع العدو، وهجماته “تحصيل حاصل”

تقرير | وديع العبسي

حينما تكشف صحيفة “جلوبس” العبرية الشهيرة الاثنين الماضي عن واقع معطيات المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني، وتقر بصورة واضحة -بلا رتوش وبلا محسنات- بأن “اليمن يحقق تفوقاً في معادلة الردع رغم قلة إمكاناته”، وأنه نجح في تحقيق اختراق استراتيجي غيّر موازين المواجهة وأثبت أن الهمجية التي ينتهجها الكيان الصهيوني في سلوكه العدواني إنما هي دليل ضعف، ويكاد يكون هو الشيء الوحيد الذي يجيده ليحتمي خلفه، فإن كل ذلك يشير إلى أن رواية العدو الاستهلاكية بشأن صد الهجمات اليمنية، ومحاولة إعطاء شعور كاذب للداخل الصهيوني وللخارج الداعم والمتواطئ بأن كل شيء تحت السيطرة، بات خدعة مكشوفة تفضحها حالة هلع الغاصبين خوفا على الحياة، الافتقار الى الشعور بالأمان، وممارسة يوميات الاحتلال بأريحية. ويفضحها حالة الحصار المستمر الذي يعاني منه بسبب قرار اليمن ذلك، ردا على حصار أهل غزة، والتدهور الواضح للوضع الاقتصادي سواء على الصعيد العام أو على صعيد حياة الفرد، وهي أمور لم يتمكن مقص الرقيب والإرهاب الأمني منعه من الانتشار.
وحتى اليوم لا تزال قوافل الصهاينة تواصل النزوح من الاراضي المحتلة فرارا إلى الخارج، من جحيم الوضع الذي صارت عليه الحياة داخل الكيان غير الشرعي، منذ عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من محاصرته بعمليات بطولية للمقاومة الفلسطينية، وما نكله به محور المقاومة من الهجمات والإستهدافات الناجحة بتوفيق الله. والى اليوم تسببت اخفاقات (22) شهرا من الاستعراض الهمجي للقوة -شمالا وجنوبا- في انهيار ثقة الغرب والمؤسسات الائتمانية بأن يكون هذا الكيان قابلاً للحياة.

الجبهة اليمنية تتعقد أكثر على العدو

تعليق “جلوبس” جاء عقب عدوان “اسرائيلي” على اليمن، وما تبعه مباشرة من رد يمني أحرج وأرعب العدو ومظلته أمريكا، فالأمر أصبح له وقعه المقلق داخل الكيان، والمواجهة مع اليمن صارت تتعقد أكثر فأكثر، لتفرض حقائق جديدة تتراجع معها الصورة الإعلامية التي تعمدت تضخيم قدراته وجيشه الذي لا يقهر وسمائه التي لا يمكن اختراقها، ودفاعاته التي ترصد حتى “الباعوض”، ومن ثم تحويله إلى هالة مرعبة نجحت خلال عقود مضت في التأثير على النفسية العربية لجهة سحقها وهزيمتها.
وفي أمريكا كان لحرص مجلة “مونيتور” أن تنقل عن مسؤول أمريكي بأن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لم تقدم أي دعم استخباراتي أو لوجستي لهجوم العدو الصهيوني على منشأة “حزيز” لتوليد الكهرباء، دلالة على أن انسحاب واشنطن من المواجهة مع اليمن قد انطلق من الحسابات بأن القوات اليمنية أصبحت تمثل فعليا حالة استثنائية تكسرت معها مفاهيم التفوق الكمي والعددي، وصار الأهم هو حُسن إدارة الإمكانات المتاحة إلى أقصى حد ممكن. وحسب المجلة نأى المسؤول الأمريكي ببلاده عن المشاركة، لإدراكه أن الأمر سيكون له عاقبة سيئة تطاله، وأن اليمن سيكون له رد فعل تجاه ما قد يتسبب في انهيار وقف إطلاق النار بين اليمن وأمريكا، وهو ما لا تتمناه واشنطن ولا “عواجيز” السياسة الأمريكية. وقال هذا المسؤول صراحة “لا نريد إعطاء اليمنيين ذريعة للتراجع عن وقف إطلاق النار”.
مع هذه القناعة الأمريكية فضّل الكيان الصهيوني تنفيذ عمليته الأخيرة على (محطة حزيز) بتحريك بَحْرِيّته، ومع عبثية الهجمة إلا أنها أعطت مؤشرا إضافيا أكيدا على ما صارت تمثله التصريحات والتحذيرات اليمنية من عامل ردع يُضعف من ثقة العدو في قدراته، فاليمن -وعلى لسان رئيس السياسي الأعلى مهدي المشاط- حذر صراحة مما ينتظر طائرات العدو إن اخترقت سماء اليمن، ولا يبدو أن الأمر كان بحاجة لتأكيدٍ حتى يتعامل مع هذا التحذير كحقيقة ثابتة، ويلجأ الى البدائل.

الدفاع الجوي الأقوى في المنطقة

وفق تقدير المراقبين والخبراء، فإن اليمن نجح في زرع الحذر لدى الأمريكان والإسرائيليين كنتيجة طبيعية للتصعيد في التكتيكات، وفي تأكيد الثبات والاستمرارية، وعدم التأثر بأي هجمات للعدو. هذا الحال كان -في كل مرة- يدفع بـ”إسرائيل” لمحاولة مجاراة اليمن، ما يجعلها تلجأ إلى خيارات أخرى مكلفة، وقد أدركت ذلك سواء على صعيد هجمات القوات اليمنية، أو دفاعاتها الجوية.
مؤخرا تحدث تقرير أمريكي عن تمكن الدفاعات الجوية اليمنية من إفقاد جيش العدو أهم ميزاته العسكرية، وهي استخدام الطائرات المسيّرة.
التقرير الذي نشرته مجلة The Maritime Executive الأمريكية المتخصصة في الشؤون البحرية، أوضح أن القوات اليمنية نجحت في إسقاط عدد من الطائرات المسيّرة الإسرائيلية والأمريكية في مناطق مختلفة، مشيرا إلى أن التطور اللافت في قدرات الدفاع الجوي اليمني، خصوصاً في مواجهة الطائرات المسيّرة، فرض واقعاً جديداً على جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأجبره على التخلي عن خيار الطائرات غيرالمسيرة، واستخدام بدائل أكثر تعقيداً وتكلفة مثل الطائرات الحربية، الصواريخ الباليستية، والصواريخ الجوالة، حسب التقرير. وكُلفة هذه الوسائل تزيد مع ما تفرضه من “تحديات لوجستية ومخاطر مباشرة على الطيارين”. الخبير العسكري في صنعاء، العميد عبد الغني الزبيدي يقول: “وربما تكون اليمن الأولى عربيا التي تبلغ هذا المستوى المتقدم من التطوير في مجال الدفاع الجوي”.

ما لم يجرؤ عليه احد من قبل

وهذه الاستمرارية في توجيه الضربات الموجعة للكيان الصهيوني لا شك بأنها تؤكد على جملة حقائق:
اولا: أن اليمن خصم عنيد لكل المستبيحين لكرامة الأمة وحياتها. ثانيا أن هجمات وتهديدات الأعداء لا يمكن أن تثنيه عن هدفه الإنساني والأخلاقي. ثالثا: تقديمه نموذجا عمليا لصدقية الإيمان وروح الانتماء إلى الإسلام الذي يأبى على المسلم أن يشاهد إبادة مجتمع مسلم بأبشع أشكال القتل. رابعا: انهيار كذبة التفوق العسكري للعدوِ الصهيوني.
الحكم الغالب في أكثر التناولات -إن لم يكن جميعها- هو أن اليمن خلق معادلة ردع فارقه في ما يتعلق بمواجهة العدو الصهيوني، ليس فقط لجهة إعلان اليمن استهداف هذا الكيان ومحاصرته، وهي مسألة لم يجرؤ أحد من قبل على مجرد الحديث فيها، بل أيضا ولجهة أن قرار إيقافه للعمليات أمر يرجع لليمنيين، وليس للكيان أو راعيته الأمريكية.
والاستخلاص الذي خرج به ايضا الخبراء والمراقبون من هذه المواجهة هو أن اليمن قد مثل معادلة صعبة ومعقدة، لذلك رأى الأمريكي أن خروجه من المواجهة البحرية أمان وحفظ لماء وجهه. في هذه الحال يصير من المنطقي قراءة المعطيات استنادا إلى هذه الحقائق، والعمل على النتائج بتسليم كامل بأن التعامل مع اليمن بذلك التعالي والغطرسة، أو بكونه خرج عن الإطار الذي حدد له ووجب إعادته أمر فيه قفز ومراهنة ستلحق بأصحابها الخزي والعار، و(22) شهرا من المواجهة قدمت كثيرا من الشواهد على ذلك.

الاعلام العبري يسخر من هجمات جيشه

وعلاوة على اليأس من تدارك نهوض القوة اليمنية التي جرى التآمر لقتلها على مدى عقود، تبدو هجمات العدو الصهيوني على اليمن “تحصيل حاصل” حسب مراقبين، وهو ما صار أمرا راسخا لدى النخبة السياسية والعسكرية في الكيان، إذ باتت تحليلاتهم يغلب عليها التذمر من قدرة جيشهم على استهداف اليمن، فيما اصبح البعض منهم يردد أسماء منشآت يمنية بذاتها، لكثرة استهدافها من قِبَل أمريكا و”إسرائيل” كـ(مرافق ميناء الحديدة ورأس كثيب، ومحطات كهرباء حزيز وذهبان)، والأسبوع الماضي سخرت القناة 14 العبرية من استهداف محطة كهرباء حزيز، مشيرة إلى أنها “عمليات عديمة الجدوى”.
التفوق اليمني الذي يقره الخبراء والمراقبون يبرزه هذا السقوط للعدو في تكرار الذات وغياب الرؤية، فالميدان كشف انهيار المعنويات وانعدام الحيلة، ليظهر على مغتصبيه ومناصريه بتنفيذ مثل هذه الهجمات التي يدرك -هو قبل غيره- بأنه لا جدوى منها أكثر من تنفيس شيء من هذا الغيظ من ملازمة هذا الفشل لهم في التأثير على الجبهة اليمنية. وبات يتردد كثيرا لدى المحللين والإعلاميين الصهاينة أنهم يهاجمون ذات الأهداف في اليمن بقصد ردع قواته المسلحة عن مهاجمة كيانهم ومصالحهم، إلا أن الهجمات تستمر وفي مسار متصاعد، ما يعني أن هجماتهم لم يكن لها تأثير، لا على القدرات ولا على مستوى الثبات على الموقف.