hajjahnews

المرأة المسلمة في معركة الوعي وسلطان الكرامة

اسماعيل سرحان

يطل علينا مولد الصديقة الكبرى، فاطمة الزهراء، سيدة الطهر ومنبع النور؛ ليجعل من هذا اليوم وقفة تأمل عميقة، وصرخة وعي مدوّية، تعيد للأُمَّـة بوصلتها نحو أعظم أسرار قوتها وأشد حصون صمودها: المرأة المسلمة.. إنها ليست مُجَـرّد نصف المجتمع، بل هي شطر الوجود، ومستودع الأجيال، ومنبع الأخلاق، وينابيع العزة التي لا تنضب.

فمتى اهتزت هذه القلعة، سقط البناء كله.

وإذا لم نَعِ نحن أهميّة دور المرأة، فقد أدركت قوى البغي والظلام –وعلى رأسها التيار الصهيوني المتربص– بفطرة الشر التي تتملّكها، أن مفتاح هدم الأمم الإسلامية هو في تفكيك كيانها الأنثوي.

لم تكن جاهلةً بأن المرأة هي الخيط السري الذي ينسج نسيج المجتمع.

ولهذا صاغوا قولتَهم الخبيثة كاستراتيجية ثابتة: “يجب أن نكسب المرأة، فإنَّها في أي يوم مدت إلينا يدَها، ربحنا قضيةَ إفساد الشعوب”.

أليس هذا اعترافًا صريحًا بمركَزية دور المرأة؟!

إنهم لم يطلقوا رصاصة، بل أطلقوا فكرة، ولم يحاربوا بالدبابات فحسب، بل حاربوا بما هو أشد فتكًا وأعمق أثرًا؛ بالشهوة والمادة والرغبة العابرة.

وأصبحت الأُمَّــة اليوم –كما قال أحد قادة الماسونية–: “كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة”.

إنها حربٌ باردة، ناعمةُ الملمس، قاسية النتائج، تستهدف أعظم مقومات وجودنا: الفطرة التي أودعها الله في ربة الصون والعفة.

لم يأت الغزوُ سافرًا، بل جاء متخفيًا وراء قناع الحقوق وراية التحرير.

إنها القوة الناعمة التي تبث سمها في العقول والوجدان عبر شبكة معقدة من الأساليب الماكرة:

– قناع المنظمات الأممية وأذرعها المدنية: تتسلل تحت شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لتدفع المرأة نحو “عولمة الأسرة الغربية”، وتحطيم قدسية الرابطة الزوجية، حتى وصل الأمر إلى تمويل جمعيات تشجع على الطلاق وتروج للرذيلة تحت ستار “مناهضة العنف”.

– الإعلام ومسخ الهُوية: لقد أصبحت الشاشات والأثير ساحة لتغريب الروح والجسد، تُصوَّر فيها المرأة المسلمة كأسيرة تتوق للخَلاص، بينما يقدم نموذج المرأة الغربية المتبذلة كقُدوة وحيدة للتحضر والرقي.

– امتهان الكرامة تحت مظلة الحرية: إن قمة العدل والإنصاف للمرأة في الخطاب القرآني، وكيف رفع الله شأنها وساواها بالرجل في التكليف والتشريف والجزاء، تقابلها مهزلة الحضارة الغربية التي لم ترَ في المرأة إلا جسدًا يُستغل.

لقد حوَّلوها إلى سلعةٍ بائرة في سوق المبيعات والإعلانات، تباعُ وتشترى، ويصبح هَمُّها الأوحدُ هو الإثارةُ والإغراء.

فهل هذا تحريرٌ أم قيد جديد من حرير؟

إن هذا الوصف ليس مُجَـرّد سرد، بل هو دق لجرس الإنذار في عُمق الوعي.

إن المطلوب اليوم ليس رد فعل عاطفي، بل حالة من اليقظة الكبرى تخاطب العقل والمنطق، وتكشف زيف تلك الوسائل التي تريدنا أن نميل ﴿مَيْلًا عَظِيمًا﴾.

فما هي سبل الحفاظ على نسائنا وعفافهن وكرامتهن؟

– الاحتماء بمتن الهُوية الإيمانية: الحل لا يكمن في تقليد الضالين، بل في التمسك بحبل الله المتين الذي كرم المرأة وأعزها، وحفظ فطرتها، وجعل عفتها تاجًا لا يسقط.

– العودة إلى القلعة الأولى (الأسرة): يجب أن نُعلي قيمة دور المرأة كـ”ربة بيت” ومنشئة جيل، لا كمنافس منهك في سوق العمل.

إن خروجها بغير ضرورة قصوى يعني –في كثير من الأحيان– استبدال دور الكرامة بدور الاستغلال والامتهان؛ فالأم الواعية هي مصنع الرجال والنساء، وهي المدرسة التي لا تُستبدل.

– ترسيخ الكرامة قبل الحقوق: إن الكرامة الحقيقية تُستمد من العفاف والصلاح، لا من مجاراة الحضارات المتهالكة.

على الأُمَّــة أن تدرك أن كُـلّ تشجيع من العدوّ لمشاركة سياسية أَو اجتماعية مهينة ليس إلا قنطرة لعبور الإضلال وتدنيس النفوس.

ولذلك، ونحن في يوم ميلاد الزهراء الطاهرة، التي كانت مجمع الطهر ومنارة العلم في بيت النبوة، لنجعل من سيرتها الخالدة منطلقًا ليقظة حقيقية تعيد لنسائنا سلطان كرامتهن، وتفشل كُـلّ مخطّط غادر أراد بهذه القلعة الحصينة سوءًا، ونبقى أُمَّـةً عزيزة، حصينةَ الجذور، شامخةَ البنيان.