في عالمٍ يضجّ بالصراعات والأزمات المتشابكة، ويغرق في ضوضاء المصالح والتحالفات، تعود البوصلة الإيمانية لتتجه نحو الأصل الثابت الذي لا يتبدل ولا يزول، القرآن الكريم. ذلك الكتاب الذي جعله الله سبحانه وتعالى هُدًى للعالمين، ودستورًا للحياة، ومنهجًا لبناء الأمة على أسس الوعي والإيمان والعدل والاستقامة.
تقرير / طارق الحمامي
ومن بين القادة الذين جعلوا من القرآن محورًا شاملاً في الخطاب والتوجيه والمشروع الحضاري، يبرز السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، الذي قدّم القرآن الكريم باعتباره منهجًا شاملاً للهداية والتحصين في مواجهة حروب العدو بكل أشكالها، ليس فقط العسكرية، بل السياسية والفكرية والمجتمعية أيضًا.
في خطاباته ودروسه القرآنية، يظهر بوضوح أن السيد القائد ينظر إلى القرآن الكريم بوصفه منظومة متكاملة لبناء الوعي الإنساني والأمة الراشدة، التي تمتلك مناعة فكرية وروحية أمام كل أشكال العدوان والانحراف.
القرآن الكريم منهج الله للحياة والبناء
يرى السيد القائد أن القرآن الكريم هو كتاب الله للإنسانية جمعاء، نزل ليهديها إلى أقوم السبل، وينقذها من الجاهلية الحديثة بكل مظاهرها، وفي خطاباته القرآنية، يذكّر السيد القائد دائماً بأن القرآن منهج حياة شامل يوجّه الإنسان في فكره وسلوكه وموقفه من القضايا الكبرى، مشدداً على أنه هدىً ونورٌ ومصدرٌ للبصيرة في مواجهة التحديات.
وهنا يُعيد السيد القائد تعريف العلاقة بين الأمة والقرآن، لتتحول من علاقة تلاوة شكلية إلى علاقة وعيٍ ومسؤوليةٍ وحركةٍ في الواقع.
الهداية القرآنية ركيزة الوعي والتحصين
يركز السيد القائد على أن الهداية القرآنية تشمل الوعي الشامل بمسؤولية الإنسان وموقعه في الصراع بين الحق والباطل. فالهداية هنا ليست فقط معرفة الحلال والحرام، بل فهم الواقع في ضوء السنن الإلهية، ويؤكد أن أول مظاهر التحصين القرآني هو الوعي والبصيرة، لأن الجهل هو المدخل الأول لكل أشكال الاستعباد والانحراف، ومؤكداً أن القرآن يحرر الإنسان من عبودية الهوى، ومن استسلامه للباطل، ومن انقياده للأعداء، وذلك هو جوهر الهداية.
في محاضرة بعنوان ’’القرآن كتاب هداية’’ ألقاها السيد القائد ضمن سلسلة دروس رمضان في العام 1438هـ يقول حفظه الله :
’’الشيء الطبيعي للإنسان المسلم الذي لا يزال صحيحا في قلبه ومشاعره وتوجهه أن يتأثر بالقرآن الكريم، هذا التأثر يهيئه لأن ينتفع بالقرآن الكريم في كل الاتجاهات، على المستوى التربوي، فتتزكى نفسه ويكون القرآن شفاء لما في صدره، الكثير من الترسبات النفسية والآفات الروحية والتربوية سيكون مهيئا للتخلص منها وللتعافي منها، ثم على مستوى الوعي والبصيرة، القرآن كتاب هداية يخرجك من الظلمات إلى النور، يصحح لديك الكثير من المفاهيم المغلوطة والرؤى المغلوطة، نحن أيها الإخوة والأخوات عادة ما نكون ضحية لكثير وكثير وكثير من الرؤى الخاطئة والمفاهيم المغلوطة في هذه الحياة، نبني عليها مواقفنا، ننطلق من خلالها في حياتنا هذه، فيما نتخذه من مواقف فيما نعمله من أعمال، في تصرفاتنا، في كثير من الأمور، ولكن يجب علينا أن نعي أن الوظيفة الأساسية للقرآن الكريم والدور الأساس له أنه كتاب هداية، وهنا يقول: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، كتابة هداية نهتدي به، يدلنا بما فيه من توجيهات وتعليمات وحقائق وتقييم عن الحياة وعن واقع الحياة وعن الناس، وما يحدده من مواقف تجاه كثير من الأحداث والقضايا والأمور، كتاب هداية نهتدي به ونتبعه، نبصر به، نغير ما لدينا من مفاهيم والرؤى الخاطئة تجاه الكثير من القضايا، تجاه الكثير من الأمور ونتبنى ما يقدمه لنا هو من رؤى ومفاهيم، نعتبرها هي الحقائق التي لا ريب فيها ولا شك فيها، وهذا ما نحن في أمس الحاجة إليه في هذا الزمن’’ .
إن هذا الوعي القرآني، كما يطرحه السيد القائد، هو الذي يجعل الأمة تقف بثبات أمام حملات التضليل الإعلامي والفكري، وتحصن نفسها من الحروب الناعمة، كما تتحصن بالسلاح من الحروب الصلبة.
القرآن يوجه الأمة نحو عدوها الحقيقي
في موجهات السيد القائد، يتجلّى بوضوح أن القرآن الكريم يقدّم خريطة طريقٍ للأمة تحدد لها وجهتها وخصومها، وتبيّن معالم الصراع، مؤكداً في أحد خطاباته أن القرآن الكريم يحدد للأمة من هو العدو الحقيقي، ومن هو الصديق، ويكشف طبيعة الصراع عبر التاريخ، حتى لا تُخدع الأمة بشعارات زائفة.
فالعدو في المنظور القرآني ليس فقط من يهاجم بالسلاح، بل من يوجّه الحرب الناعمة، ويغزو الفكر، ويفسد الأخلاق، ويستهدف وحدة الأمة وقيمها.
من هنا يؤكد السيد القائد أن الأمة لا يمكن أن تبني موقفًا صحيحًا في السياسة أو المقاومة أو الإعلام ما لم تكن منطلقة من الوعي القرآني الذي يُفرّق بين الحق والباطل، ويكشف تضليل الأعداء وأساليبهم.
مواجهة الحروب الشاملة بالتحصين القرآني
يرى السيد القائد أن القرآن الكريم يضع الأسس العملية للتحصين والمواجهة في كل المجالات، ففي مواجهة الحرب العسكرية، يربي القرآن الكريم الإنسان على الصبر والثبات والإعداد، ويغرس في روحه معنى الجهاد كقيمة إيمانية دفاعية لا عدوانية.
قال تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، وهنا يؤكد السيد القائد أن الإعداد ليس ماديًا فقط، بل إيمانيًا ونفسيًا ومعنويًا.
وفي ميدان مواجهة الحرب السياسية، فإن السيد القائد يلفت إلى أن القرآن يعلّم الأمة الوعي بخداع الأعداء ومكرهم، ويمنحها بصيرة سياسية قائمة على التقوى لا المصلحة، ليبيّن أن المؤمنين لا بد أن يكونوا يقظين في مواجهة الكيد العالمي للأمة.
وفي مواجهة الحرب المجتمعية والثقافية، فإن القرآن يقدّم منظومة أخلاقية متكاملة تحفظ تماسك المجتمع وتمنع تفككه.
من خلال آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى العدل والتعاون، وهو ما يؤكد عليه السيد القائد أن التحصين المجتمعي هو خط الدفاع الأول أمام الحروب الناعمة والتغريب الأخلاقي.
المسيرة القرآنية المباركة نموذج للوعي والحركة
تُبرز المسيرة القرآنية بقيادة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، أن التطبيق العملي للمنهج القرآني ممكن وفاعل، فقد تحولت هذه الرؤية القرآنية إلى مشروع نهضوي واقعي استطاع أن يخلق وعيًا جديدًا لدى الشعب اليمني، يقوم على الاستقلالية الفكرية والسياسية، وعلى رفض التبعية، وعلى الثقة بوعد الله للمؤمنين بالنصر والعزة.
وهنا يرى السيد القائد أن هذا الوعي المستمد من القرآن هو الذي جعل الأمة تصمد أمام أعتى عدوان عسكري واقتصادي وإعلامي، بل وتتحول من موقع الدفاع إلى موقع الفعل والتأثير في الساحة الإقليمية.
دروس المنهج القرآني للأمة
من مجمل التوجيهات والمفاهيم التي يقدّمها السيد القائد، يمكن استخلاص مجموعة من الدروس الأساسية التي قدمها في معرض موجهاته للأمة، والتي تبدأ بالعودة الجادة إلى القرآن المصدر الأول للموقف وللوعي ومحرّك الفعل، وموجّه القرار، وقبل السلاح أو السياسة، لا بد من وعي قرآني يحمي الأمة من التضليل، وأن المقاومة ليست فقط دفاعًا، بل بناءٌ للأمة على قيم العدل والكرامة، كما أن القرآن الكريم يعيد للأمة ثقتها بنفسها وبقدرتها على النهوض.
ختاماً
من خلال موجهات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، يتضح أن القرآن الكريم مشروع حضاري يُبنى عليه الواقع، والدستور الإلهي الذي يحمي الأمة من التيه، ويحصنها من الغزو، ويهديها إلى النور في زمن الظلمات.
وحين تُبنى الأمة على هذا الأساس، فإنها لا تواجه فقط الحروب العسكرية والسياسية، بل تتجاوزها إلى بناء نموذج حضاري عالمي يقدّم الإسلام في صورته الحقيقية، دين الوعي، والعدل، والكرامة، والتحصين.
نقلا عن يمانيون
