hajjahnews

الشهيد زيد علي مصلح .. شعلة الفكر وعزيمة الفداء وعنوان البطولة

في أحضان وديان مران الخضراء، حيث تلتقي الطبيعة بسحر الروح، وُلد الشهيد المجاهد زيد علي مصلح، رجل جمع بين العلم والفكر والشجاعة، بين البلاغة والجهاد، وبين الفكر والعمل. منذ طفولته، نشأ في أسرة هاشمية عرفت بالصلاح والتقوى، مزدانة بأخلاق الكرامة والوفاء، وهو سند يتصل نسبه بالإمام الهادي يحيى بن الحسين، حفيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

كان جمال مران مصدر إلهام لشعره وذوقه الأدبي، ومن ما كتب عن هذا الجمال:
أطلُّ على مران فاق جمالها
كأني في الجنات إذ أتنسم
هواء كعطر المسك إذ هو ثائر
وأرض كجنات بها المرء ينعم

هذا المشهد الطبيعي لم يكن مجرد جمال ساحر، بل كان مدرسة تعلمه التأمل والوعي الفني والأدبي، إضافة إلى ما ورثه عن أبائه من روح أبيّة ونفس زكية وفصاحة وبلاغة.

التنشئة والتعليم

تلقى الشهيد زيد علومه على يد السيد العلامة المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، منارة العلم والقدوة في الجهاد والمكارم الأخلاقية، هناك تعلم الفقه، الأخلاق، الشجاعة، ومحاسن القيادة الفكرية والعملية، لترتسم شخصيته كإنسان ملتزم بالدين، واعٍ بالمسؤولية تجاه مجتمعه وأمته.

الدور التعليمي والفكري

عُيّن السيد زيد مديرًا لمدرسة الإمام الهادي في مران منذ تأسيسها عام 1412هـ، لتصبح منبرًا لنشر العلم والدين والفضيلة في صعدة والمناطق المجاورة، استقبل طلاب العلم من مختلف المحافظات، مانحًا إياهم العلم والوعي والفكر المستنير، وغرس في نفوسهم قيم الصدق والعدل والتقوى.

لم يقتصر دوره على التعليم، بل كان مصلحًا اجتماعيًا وفكريًا، يسعى لإصلاح ذات البين ومواجهة الفساد والمنافقين، وهو ما عبر عنه في شعره، واصفاً مشهداً تعبيرياً عن ألم الأمة من الذل والقهر في قوله :
أمسى الخلي شجي القلب حيران
منغص الطبع باكي العين سهران
يرى الزمان وقد دارت دوائره
حتى غدا الجور للقسطاس ميزان

شجاعته وروحه الجهادية

كان السيد الشهيد زيد يعيش شغف الجهاد والتضحية في سبيل الله، وقد فاض شعره بما يعبر به عن ذلك بقوله :
لفجر الشهادة قلنا نعم
وللذات لا، لا، ولا للصنم

نعم للجهاد نعم للنضال
ولا للحياة بحُلْك الظُلْم

وقد عرف بقوته في الله وبشجاعته التي لم ترتعد أمام المنافقين أو الظالمين، وكان خطيبًا بارعًا، يمتلك القدرة على النفاذ إلى القلوب وإشعال الحماس متنوعاً في الأساليب بين التحليل الفقهي، الخطاب الوجداني، والشعر الوطني.

الجانب الإنساني والاجتماعي

لم يكن السيد زيد مجرد فقيه ومجاهد، بل كان الناصح والمربي والمصلح الاجتماعي، كان حاضرًا في أفراح الناس وأحزانهم، يضمد الجراح، يقضي حاجات المحتاجين، ويقف إلى جانب الأرامل واليتامى والمظلومين، لم يجد أحد في مران مشكلة إلا وكان زيد السند والمعين.

استبساله في مواجهة العدوان

عندما هاجمت جحافل الأعداء مران، كان الشهيد زيد صخرة صامدة، مقاتلًا ببسالة ضد آلاف الجنود المدججين بالأسلحة والطائرات، وقد عبّر عن موقفه التاريخي في شعره بقوله: ((سأجعل من مقامي هذا سُلَّما للنصر أو معراجًا للشهادة))

استشهد يوم الخميس 19 جماد الأول 1425هـ، رافعًا راية الصمود والتضحية، ضارباً أمثلة للبطولة التي يستلهم منها الأجيال، مستحضرًا مواقف جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، في الشجاعة والصبر على البلاء.

إرثه الفكري والبطولي

ترك الشهيد زيد إرثًا خالدًا يجمع بين العلم والعمل، الفكر والجهاد، البلاغة والشجاعة، لقد كان رمزًا للوعي المجتمعي والفكر المستنير، ومثالًا للإنسان الذي يدمج بين الإيمان والعلم والتضحية والعدل.

وبعد استشهاده عبر عنه السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه بقوله:
رحم الله أخي الشهيد زيد، فقد نال ما تمنى وتُوَّج وسامًا رفيعًا بالشهادة وصار في مصاف الأولياء

إن حياة زيد علي مصلح تشهد على عظمة الإنسان الذي جعل من فكره شعلة ومن شجاعته نورًا، لتبقى سيرته منارة للأجيال القادمة، ومثالًا للفكر النير والعمل المخلص في سبيل الله والوطن.