hajjahnews

ثورة 14 أكتوبر.. امتداد التاريخ في كفاحٍ متجدد ضد الاستعمار والهيمنة

قبل اثنين وستين عامًا، اشتعلت شرارة الحرية من جبال ردفان الشمّاء، حينما أعلن الثائر الشهيد راجح بن غالب لبوزة ورفاقه الأحرار ميلاد ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة ضد الإمبراطورية البريطانية التي كانت تُلقّب آنذاك بـ”الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”.
تلك الثورة لم تكن حدثًا عابرًا في التاريخ اليمني، بل كانت ولادة حقيقية للروح الوطنية الحرة التي ترفض الوصاية والهيمنة، وتؤمن بأن الكرامة والسيادة لا تُمنح بل تُنتزع انتزاعًا. واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود، يعود الاستعمار إلى جنوب الوطن بثوب جديد وأدوات مختلفة، في مشهدٍ يعيد الذاكرة إلى زمن الاحتلال البريطاني، لكن بإخراج سعودي–إماراتي وبرعاية أمريكية–بريطانية–صهيونية، في محاولة لإعادة عقارب التاريخ إلى الوراء.


من ردفان إلى عدن.. اليمن يكسر أنياب الإمبراطورية

انطلقت ثورة الـ14 من أكتوبر عام 1963م من قمم جبال ردفان بقيادة الأحرار الذين قرروا أن لا بقاء للمستعمر على تراب الوطن. وعلى مدى أربع سنوات خاض الثوار معارك بطولية ضارية، أرهقت جيوش بريطانيا، وأجبرت آخر جندي بريطاني على مغادرة عدن في 30 نوفمبر 1967م، معلنين النصر والاستقلال الكامل.
كانت تلك أول ثورة تحررية ناجحة في شبه الجزيرة العربية ضد واحدة من أعتى القوى الاستعمارية في التاريخ، شارك فيها أبناء الشمال والجنوب معًا في وحدة الدم والمصير، وأثبتوا أن اليمن، كل اليمن، لا يُهزم حين يتوحد في مواجهة الغزاة.


الاستعمار القديم وأدواته الجديدة

رغم اندحار الاستعمار البريطاني قبل أكثر من ستة عقود، إلا أن مخططاته لم تنتهِ. فقد ترك وراءه أدواته وأذنابه في المنطقة لضمان استمرار الهيمنة بطرق غير مباشرة.
فمنذ السبعينيات، مارست السعودية والإمارات – كوكيلتين للاستعمار الغربي – سياسات التدخل والعرقلة، سواء عبر شراء الولاءات أو دعم مشاريع الانقسام والتجزئة، حتى بلغت ذروتها في عدوان مارس 2015م، حين تحولت المحافظات الجنوبية والشرقية إلى ساحات احتلال مباشر تديرها قوات أجنبية، تسيطر على الموانئ والجزر والثروات النفطية، وتغتال المعارضين، وتنهب خيرات البلاد.

اليوم، يرفع الاحتلال السعودي–الإماراتي شعارات كاذبة عن “التحرير”، بينما يمارس كل أشكال القمع والاستعباد، ويعيد إنتاج الكيانات المناطقية التي زرعها الاستعمار البريطاني في القرن الماضي، بهدف تمزيق الهوية اليمنية الواحدة وإحياء مشروع “الجنوب العربي” القديم الذي كان بوابة التقسيم والتبعية.


عدن من رمز الحرية إلى مدينةٍ محتلةٍ من جديد

تحولت مدينة عدن التي كانت منارة الثورة ضد البريطانيين إلى ساحة نفوذٍ أجنبي جديد، تُدار بالحديد والنار من قبل قوات الاحتلال الإماراتي والسعودي ومرتزقتهما، الذين أعادوا مشهد القمع والسجون السرية والانتهاكات بحق الأحرار والشرفاء من أبناء الجنوب.
في المقابل، يواجه المواطنون هناك انهيارًا معيشيًا واقتصاديًا غير مسبوق، حيث تجاوز سعر الدولار حاجز الألفي ريال، وانعدمت الخدمات الأساسية، وتضاعفت الأزمات المعيشية، في حين تتكدس ثروات البلاد في بنوك الرياض وأبو ظبي ولندن.
تلك المأساة ليست سوى الوجه الآخر لسياسة التجويع والتركيع التي تمارسها قوى العدوان، لإخضاع الشعب وإبعاده عن قضيته الوطنية، كما فعل المستعمر القديم من قبل.


مشروع التقسيم.. الغايات القديمة والأدوات الحديثة

من خلال تقاسم النفوذ بين السعودية والإمارات في المحافظات الجنوبية والشرقية، تتضح بجلاء أهداف العدوان الحقيقية: تمزيق اليمن إلى دويلات متناحرة، ونهب ثرواته النفطية، والسيطرة على موانئه الاستراتيجية، وعلى رأسها باب المندب، خدمةً للمصالح الأمريكية والبريطانية والصهيونية.
وما نراه من صراع بين أدوات العدوان ليس إلا صراعًا على الغنائم، بينما الهدف المشترك هو الحيلولة دون قيام دولة يمنية موحدة ذات سيادة تستطيع مواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني ومشاريع الهيمنة الغربية في المنطقة.


ثورة 21 سبتمبر.. الامتداد الطبيعي لثورات التحرر اليمنية

كما كانت ثورة 14 أكتوبر صفحة مشرقة في تاريخ اليمن المقاوم، جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م لتستكمل المسيرة التحررية، وتغلق أبواب الوصاية الأجنبية إلى الأبد.
فهي الثورة التي أسقطت الوصاية الأمريكية والسعودية، وأعادت القرار اليمني إلى يد الشعب، وأطلقت مشروع التحرر الوطني الشامل من كل أشكال التبعية والاستعمار.
وفي الوقت الذي تخضع فيه عدن وسقطرى وحضرموت لاحتلال جديد، تجسد صنعاء اليوم روح أكتوبر من جديد في وجه الطغاة والمستكبرين، بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – الذي يؤكد في كل خطاب أن تحرير كل شبر من أرض الوطن واجب مقدس وأن “المحتلين الجدد لن يبقوا في اليمن”.


اليمن الواحد.. إرادة لا تُكسر

إنّ اليمن الذي كسر شوكة الإمبراطورية البريطانية في ستينيات القرن الماضي، هو نفسه الذي يُرغم اليوم أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وأدواتهم على مراجعة حساباتهم.
فمن خلال صموده العسكري والسياسي والاقتصادي، ومن خلال إسناده العملي للشعب الفلسطيني طيلة عامين من العدوان الصهيوني على غزة، أثبت الشعب اليمني أن روح أكتوبر وسبتمبر ما زالت حيّة، وأن التحرر ليس ذكرى تُحتفل بها، بل مسار مستمر من الكفاح لا ينتهي إلا برحيل آخر جندي أجنبي من أرض الوطن.


من أكتوبر إلى سبتمبر.. ثورة واحدة وقضية واحدة

تاريخ اليمن الثوري حلقاته مترابطة لا تنفصل.. من 14 أكتوبر إلى 21 سبتمبر، مسار واحد من النضال ضد المستعمرين القدامى والجدد، وضد أدواتهم من المرتزقة والعملاء.
وما أشبه اليوم بالأمس: عدن التي حررها أبطال ردفان عام 1967م، تنتظر أبناءها الأحرار ليحرروها من جديد، تحريرًا ثانيًا يكمل ما بدأه الأجداد، ويؤسس لدولة يمنية حرّة مستقلة، تملك قرارها وتدافع عن قضايا أمتها وفي مقدمتها فلسطين.