hajjahnews

من عامي الطوفان إلى فجر النصر.. المقاومة تفرض شروطها وجبهات الإسناد تصنع المعادلة

من رماد الإبادة إلى فجر الانتصار

عامان مرا على فجرٍ غيّر وجه التاريخ، على صباحٍ خرج فيه المقهورون من تحت الركام يحملون رايات العزة، وعلى عمليةٍ كسرت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” وأسقطت أقنعة الهيمنة الأمريكية والصهيونية معًا.
عامان على “طوفان الأقصى”، ذلك الحدث الذي لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل زلزالًا حضاريًا وإنسانيًا وأخلاقيًا أعاد تعريف مفاهيم النصر والهزيمة، القوة والكرامة، الدم والسلاح.
واليوم، وبعد عامين من حرب الإبادة والتجويع، تُعلن غزة — بكل ما فيها من جراح وصمود — اتفاق النصر لا الاستسلام، وتكتب فصائل المقاومة فصلاً جديدًا من معركة الوعي والإرادة، حيث تفاوض من موقع القوّة، لا من تحت الرماد، وتُملي شروطها على عدوٍ فقد توازنه أمام ثباتها الأسطوري.


إرادة تنتصر.. وشعب يصنع المعجزة

منذ السابع من أكتوبر 2023، لم يكن المشهد الفلسطيني مجرّد مقاومة تواجه عدوانًا، بل شعبًا يقاتل نيابةً عن الإنسانية كلّها ضد مشروع الإبادة الأمريكي الصهيوني.
على مدى عامين، واجه الغزيون الموت بكل أشكاله: قصفًا وتجويعًا وحصارًا وتدميرًا شاملاً للمستشفيات والبيوت والمساجد، لكنهم لم يرفعوا إلا راية “لن نركع”.
هذا الصمود العجيب هو الذي حوّل الحرب من مشروع إبادة إلى معركة كسر إرادات انتهت بانتصار الإنسان المؤمن على آلة القتل الفاشية، وبفرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي حمل توقيع المقاومة وشروطها كاملةً غير منقوصة.
لم يعد العدو الصهيوني هو من يملي، بل هو من يُملى عليه.
لم يعد هو من يهدد، بل من يتلقى التحذيرات عبر الوسطاء.
في شرم الشيخ، لم يكن التفاوض سوى ترجمةٍ لميزان قتالٍ صاغته غزة بالنار والدم والكرامة.


من ساحة المعركة إلى طاولة التفاوض.. المقاومة تفرض الشروط

في مشهدٍ غير مسبوق، جلست فصائل المقاومة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات في شرم الشيخ وهي تحمل أوراق القوة لا الاستجداء.
بقيادة الوفد المفاوض برئاسة الدكتور خليل الحية، أعلنت المقاومة اتفاق وقف دائم لإطلاق النار، وانسحابًا كاملًا لقوات العدو من غزة، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات، وتبادل الأسرى وفق معادلةٍ مقلوبة تمامًا: “لا جندي يعود إلا مقابل حرية أسرانا”
الاتفاق — بشهادة قادة المقاومة — لم يأتِ منحةً من أحد، بل كان ثمرة صمودٍ فلسطيني أسطوري، وتضحياتٍ جسيمة لشعبٍ واجه الإبادة وخرج أكثر تماسكًا وقوة.
لم يُذكر في الاتفاق نزع سلاح المقاومة، ولم تُفرض عليها أي شروطٍ سياسية، لأن من يملك الأرض والسلاح والشرعية الشعبية لا يُملى عليه بل يُملي.


جبهات الإسناد.. من اليمن إلى لبنان تصنع النصر

في لحظة إعلان الاتفاق، وجّهت حركات المقاومة الفلسطينية — حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين — تحية فخر واعتزاز لجبهات الإسناد في اليمن ولبنان والجمهورية الإسلامية في إيران والعراق، التي وقفت بشجاعةٍ وثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني، وقدّمت الشهداء على طريق القدس والأقصى.
وأشادت الفصائل بالدور الكبير الذي أدّته هذه الجبهات في تثبيت معادلة الردع الإقليمي، مؤكدة أن ما تحقق في غزة هو نصرٌ مشترك لأحرار الأمة ومحور المقاومة بأسره.
في بيانها المشترك، عبّرت الحركات عن تقديرها العميق للشعب اليمني الذي لم يتوقف يومًا عن الإسناد العملي، من البحر إلى الميدان، ولحزب الله الذي شكّل بصلابته درعًا حاميًا لفلسطين، وللجمهورية الإسلامية في إيران التي دعمت المقاومة سياسيًا وعسكريًا، وللعراق الذي احتضن الموقف المقاوم ورفض التطبيع والخنوع.
وأكدت الفصائل أن وحدة جبهات الإسناد هي التي أسقطت أهداف العدو في فرض التهجير أو نزع السلاح، وحوّلت الحصار إلى مأزق استراتيجي للاحتلال وأسياده في واشنطن ولندن وتل أبيب.


غزة تحتفل.. فرحة النصر تكسر الحصار

مع إعلان وقف إطلاق النار، عمّت الفرحة أزقة غزة ومدنها المحاصرة. خرج المواطنون رغم الجراح والدمار، يلوّحون برايات فلسطين والمقاومة، يرددون التكبيرات ويهتفون بأسماء الشهداء الذين صنعوا النصر.
النساء زغردن من نوافذ البيوت المهدّمة، والأطفال رفعوا صور قادتهم، والرجال حملوا رايات الكتائب والألوية على أكتافهم في مشاهد تعيد إلى الذاكرة أجواء انتصار تموز وغزة 2014، لكنها هذه المرة فرحة التحرر من الهيمنة لا من هدنةٍ مفروضة.
كانت الفرحة مضمّخة بالدموع، لكنها دموع النصر لا الفقد، دموع من قاوم حتى الرمق الأخير وشهد أن التضحيات لم تذهب سدى.
في تلك اللحظة، بدا أن الدم الفلسطيني انتصر على آلة الحرب الصهيونية، وأن غزة الصغيرة بحجمها انتصرت على منظومة الاستكبار العالمي، لتكتب مجددًا ملحمة العزة في زمن الانكسار.


سقوط خرافة الردع الصهيوني

حين انطلقت عملية طوفان الأقصى، تهاوت الأسطورة التي رُوّجت لعقود عن “الجيش الذي لا يُقهر”.. في الساعات الأولى، سقطت مستوطنات بأكملها، وأُسر ضباط وقادة، وعمّت الفوضى داخل الكيان.
وبعد عامين من القتل والدمار، لم يجنِ العدو إلا انقسامًا داخليًا، وانهيارًا نفسيًا، وتآكلًا في شرعيته السياسية والعسكرية.
تحولت “إسرائيل” من كيانٍ يهدد الجميع إلى كيانٍ يعيش في قلقٍ دائم، يخشى الصواريخ، ويحسب حساب الأنفاق، ويراقب بقلق يقظة الضفة والقدس والشتات.
حتى حلفاؤه الغربيون بدأوا ينفضّون من حوله، بعدما انكشفت فظاعة جرائمه أمام العالم، وصارت صور المجازر في غزة وصمة عارٍ على جبين أمريكا والغرب الذين فقدوا كل ادعاءٍ بالإنسانية.


العالم يشهد.. والمستضعفون ينتصرون

لقد كان طوفان الأقصى أكثر من معركة، كان فرزًا بين عالمين: عالمٍ يصمت على الجريمة، وآخر ينهض مع المظلومين.
كشف الصمود الفلسطيني زيف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأسقط أقنعة “الشرعية الدولية”، وأثبت أن الحقوق لا تُستعاد بقراراتٍ، بل بدماءٍ طاهرةٍ تصنع المعادلات.
وفي المقابل، وحّد الطوفان أحرار الأمة.
من صنعاء إلى الضاحية، من بغداد إلى طهران، ومن بيروت إلى دمشق، ارتفعت الأصوات تردد “لبيك يا أقصى”، وتجسّد محور المقاومة كحقيقة ميدانية لا يمكن تجاهلها.
لقد أدرك العالم أن معركة غزة لم تكن محلية، بل ملحمة كونية بين مشروعين: مشروع الهيمنة والاستكبار، ومشروع التحرر والإيمان.


غزة.. نموذج الانتصار الإنساني

ما جرى في غزة هو انتصار للإنسان في وجه الوحش، للعدالة في وجه البربرية، وللإرادة في وجه السيف.
أثبت الفلسطينيون أن المقاومة ليست خيارًا عسكريًا فحسب، بل هوية وجودٍ وكرامة حياة.
أن يُفرض على العدو اتفاقٌ بهذه الشروط بعد عامين من المجازر، فذلك ليس حدثًا سياسيًا، بل تحوّل حضاري في ميزان الصراع.
لم تعد غزة “منطقة منكوبة”، بل صارت “مدرسة للأحرار”.
لم تعد رمزًا للألم، بل صارت رمزًا للنصر والنهضة والكرامة.
وكما قال أحد المحللين، “غزة اليوم لم تُنهِ الحرب فحسب، بل أعادت تعريف النصر نفسه”.


من الطوفان إلى التحرير الكامل

عامان على الطوفان، والعالم يقف مذهولًا أمام معادلةٍ جديدة كتبها الدم الفلسطيني: أن المستضعفين قادرون على كسر المستكبرين، وأن الأمة حين تؤمن، تنتصر.
الكيان الصهيوني الذي أراد محو غزة وتهجير أهلها، انتهى محاصرًا بالهزيمة، منبوذًا دوليًا، بينما المقاومة تُراكم القوة وتستعد لمرحلة التحرير الشامل.
لقد سقطت الهيمنة، وتكشّف الزيف، وبقيت الحقيقة: أن إرادة الشعوب هي أقوى من أساطيل القتلة، وأن القدس لا تُستعاد بالمساومات بل بالتضحيات.