لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014م مجرد تغيير في هرم السلطة، بل كانت حدثاً تأسيسياً أعاد تشكيل بنية الدولة والمجتمع في اليمن، وأرسل موجات تأثيره إلى مختلف أنحاء المنطقة والعالم، في الفصل الخامس والختامي من رسالة الماجستير للباحث مهدي محمد المشاط الموسومة بـ “ثورة ٢١ سبتمبر وتأثيراتها على اليمن والمنطقة العربية”، يقدم الباحث قراءة استراتيجية للنتائج العميقة التي أفرزتها الثورة على المستويين الداخلي والخارجي، موضحاً كيف أن هذا الحدث قد أعاد اليمن إلى موقعه كلاعب فاعل ومؤثر.
يمني برس | خاص
النتائج على المستوى الداخلي.. استعادة الدولة وتصحيح المسار
يرى الباحث أن أهم نتائج الثورة تجلت في إعادة بناء الدولة على أسس وطنية جديدة، بعد أن كانت على وشك الانهيار الكامل.
- إسقاط حكومة الفساد وتشكيل حكومة شراكة: كانت أولى النتائج الملموسة هي إسقاط “حكومة الوفاق” التي كانت رمزاً للفشل والفساد والمحاصصة، وإلغاء “الجرعة السعرية” التي كانت شرارة الثورة، والأهم من ذلك، تم تتويج هذا الإنجاز بتشكيل حكومة كفاءات وطنية بموجب “اتفاق السلم والشراكة”، والتي كانت، ولأول مرة، حكومة بإرادة يمنية خالصة بعيداً عن التدخلات الخارجية.
- إفشال مشروع التقسيم والحفاظ على وحدة اليمن: تعتبر الرسالة أن أحد أخطر المشاريع التي واجهتها اليمن هو “مشروع الأقاليم الستة”، الذي كان يهدف إلى تمزيق البلاد على أسس طائفية ومناطقية لخدمة أجندات خارجية.
لقد وقفت ثورة 21 سبتمبر بحزم ضد هذا المشروع، وأفشلته، وحافظت على وحدة اليمن، ونص “اتفاق السلم والشراكة” على معالجة قضية شكل الدولة عبر التوافق الوطني، لا عبر الفرض والإملاء.
- تحرير القرار اليمني من التبعية: ركزت الرسالة على أن النتيجة الاستراتيجية الأهم على الإطلاق هي تحرير القرار السياسي اليمني من عقود من الوصاية والتبعية، خاصة للسعودية والولايات المتحدة، لقد استعادت صنعاء قرارها، وأصبحت سياساتها الداخلية والخارجية تنبع من مصالحها الوطنية العليا، لا من إملاءات السفراء.
- إعادة بناء الجيش وتطوير الصناعات العسكرية: بعد أن تم تفكيك الجيش اليمني بشكل ممنهج قبل الثورة، كان من أهم نتائجها إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية، وتطوير عقيدة قتالية جديدة محورها الدفاع عن سيادة الوطن، وترافق ذلك مع إنجاز “معجزة” التصنيع العسكري، التي مكنت اليمن من امتلاك قوة ردع استراتيجية غيرت موازين القوى.
النتائج على المستوى الخارجي.. لاعب جديد يغير قواعد اللعبة
لم تقتصر تأثيرات الثورة على الداخل، بل امتدت لتحدث تغييرات جوهرية في المشهد الإقليمي والدولي.
- إثارة قلق قوى الهيمنة وكيان العدو: أثار انتصار ثورة 21 سبتمبر، بطابعها التحرري المناهض للهيمنة، قلقاً عميقاً لدى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في المنطقة، لقد رأوا في هذه الثورة تهديداً مباشراً لمشاريعهم ونفوذهم، خاصة مع موقع اليمن الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب، وتشير الرسالة إلى أن هذا القلق هو الدافع الحقيقي وراء شن العدوان الخارجي على اليمن.
- نقل اليمن إلى موقع متقدم في محور المقاومة: بتبنيها الصريح والعملي للقضية الفلسطينية، ومواجهتها للمشروع الأمريكي-الصهيوني، انتقل اليمن من خانة الدولة التابعة إلى موقع اللاعب الفاعل والمتقدم في محور المقاومة، وقد تجلى هذا الدور بأوضح صوره في الموقف التاريخي لليمن ومشاركته الفاعلة في معركة “طوفان الأقصى”، حيث فرض حصاراً بحرياً على كيان العدو، وأثبت أنه قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.
- تعزيز الأهمية الاستراتيجية لمحور المقاومة: لم يقتصر الأمر على انضمام اليمن للمحور، بل إن صموده وانتصاره في وجه عدوان استمر لتسع سنوات قد عزز من قوة محور المقاومة بأكمله، لقد أسقط اليمن أسطورة التفوق العسكري للأنظمة الخليجية المدعومة أمريكياً، وقدم نموذجاً ملهماً في الصمود والقدرة على تغيير المعادلات.
ثورة مستمرة وتأثيرات ممتدة
يخلص الباحث مهدي المشاط إلى أن ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد حدث عابر، بل هي عملية تحرر مستمرة، لا تزال نتائجها وتأثيراتها تتكشف يوماً بعد يوم.
على المستوى الداخلي، أعادت بناء الدولة وحررت قرارها، وعلى المستوى الخارجي، غيرت موقع اليمن الاستراتيجي، وأثارت قلق الأعداء، وعززت من قوة محور المقاومة، إنها، بحق، ثورة أعادت لليمن اعتباره، ورسمت ملامح جديدة لمستقبل المنطقة بأكملها.