تقارير
تشهد المنطقة منذ سنوات طويلة تحولات استراتيجية كبرى، لكن ما حدث في اليمن تجاوز كل التوقعات وغيّر من معادلات الردع في الشرق الأوسط.
الاعتراف الأخير الصادر عن شركة بريطانية متخصصة في الدراسات الأمنية والعسكرية بأن اليمن يمتلك قدرة ردعية تمنع حتى دول كبرى مثل السعودية والإمارات من خوض مواجهة مباشرة معه، لم يكن مجرد خبر عابر، بل محطة فاصلة تؤكد أن اليمن لم يعد ذلك البلد الذي يُنظر إليه على أنه ضعيف، بل أصبح لاعباً أساسياً في صياغة مستقبل المنطقة.
لم يكن يتوقع أحد أن البلد الذي عانى لسنوات من حصار وعدوان شرس سيخرج أقوى مما كان، لكن الوقائع أثبتت العكس تماماً. فقد طورت القوات المسلحة اليمنية قدراتها بصورة مذهلة سواء في مجال الصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة أو حتى في أساليب القتال الميداني، لتفرض معادلة جديدة عنوانها: “اليمن قوة لا يمكن تجاوزها”.
الاعتراف البريطاني: شهادة من قلب المؤسسات الغربية
حين تقول مؤسسة بحثية بريطانية متخصصة إن السعودية والإمارات تفتقدان الجرأة لمواجهة مباشرة مع اليمن، فإن ذلك يعبّر عن حقيقة ميدانية لا تقبل الجدل.
فالتحالف الذي قاد عدواناً دامياً لسنوات، بات اليوم في موقع المتردد الذي يحسب ألف حساب قبل أي خطوة.
هذا الاعتراف يعكس قناعة الغرب نفسه بأن اليمن لم يعد كما كان، بل أصبح رقماً صعباً في المعادلة الأمنية والعسكرية.
وهو ما يعني أن أي استهداف مباشر لهذا البلد سيواجه برد قاسٍ، قادر على إلحاق خسائر استراتيجية بالخصوم، وتعريض اقتصاداتهم القائمة على المنشآت الحيوية والنفطية لهزات لا يتحملونها.
اليمن والردع النفسي: سلاح بلا رصاصة
القوة ليست مجرد صاروخ ينطلق أو طائرة مسيرة تضرب هدفها، بل هي أيضاً نفسية وردع معنوي.
هنا برز دور القوات المسلحة اليمنية بوضوح، فقد خلقت حالة من القلق والخوف داخل الرياض وأبوظبي، العاصمتين اللتين كانتا تتحدثان يوماً بلغة الغرور والقوة.
اليوم، قبل أي خطوة عدائية، تجلس القيادات السياسية والعسكرية هناك لمراجعة حساباتها مرات عدة، لأن الثمن سيكون باهظاً جداً.
هذه الحالة النفسية تمثل نصراً استراتيجياً بحد ذاته، إذ تجعل العدو يتراجع دون إطلاق رصاصة، وتبقيه في حالة ارتباك دائم.
الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة: ذراع اليمن الطويلة
أحد أبرز الإنجازات التي غيرت المشهد هو التطور النوعي في القدرات الصاروخية.. لم تعد الصواريخ اليمنية محدودة المدى أو ذات تأثير رمزي، بل باتت قادرة على الوصول إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة وضرب أهداف استراتيجية للكيان الصهيوني.
هذا التطور لم يعد تهديداً إعلامياً، بل صار واقعاً تعترف به التقارير الدولية وحسابات العدو.
إن إدراك الكيان الصهيوني أن صنعاء قادرة على استهداف موانئه ومنشآته الحيوية البعيدة، يجعله يعيش في حالة رعب دائم، ويجبره على إعادة النظر في أي مغامرة عسكرية.
أما الطائرات المسيّرة، فقد أصبحت سلاحاً استراتيجياً يربك المنظومات الدفاعية الحديثة، إذ نجحت في تجاوز أنظمة اعتراضية متطورة، ووصلت إلى أهداف حساسة في عمق دول التحالف.
هذه الطائرات منخفضة الكلفة ومرتفعة الفعالية منحت اليمن أداة جديدة لفرض معادلات الردع، وأكدت أن “السلاح الذكي ليس حكراً على الكبار”.
الحرب على غزة: اليمن حاضر في معادلة الردع الإقليمي
مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، ازدادت المعادلة تعقيداً، أي تصعيد هناك قد يدفع اليمن للتحرك عسكرياً دعماً للقضية الفلسطينية، وهو ما يربك حسابات واشنطن وتل أبيب.
وقد شهدنا بالفعل كيف أن مسؤولاً أمريكياً اضطر لنفي تورط بلاده في الهجمات الأخيرة على صنعاء خوفاً من رد الفعل اليمني.
هذا يعني أن اليمن لم يعد معزولاً في جغرافيا، بل أصبح جزءاً من منظومة ردع إقليمية تشكل سداً أمام التوسع الصهيوني وتحدّ من الهيمنة الأمريكية.
ومع كل تهديد يطلقه قادة المقاومة الفلسطينية، بات العالم ينظر إلى اليمن باعتباره شريكاً فعّالاً في أي معادلة قادمة.
من الدفاع إلى الهجوم: معادلة جديدة
ما يميز القدرات العسكرية اليمنية اليوم أنها لم تعد تقتصر على الجانب الدفاعي. لقد انتقلت إلى مستوى الردع الهجومي الذي يجعل الخصم يراجع حساباته قبل أي مغامرة.
فاليمن قادر على ضرب منشآت النفط السعودية والإماراتية، وقادر أيضاً على تعطيل الملاحة في البحر الأحمر إذا اقتضت الحاجة.
هذا التحول من الدفاع إلى الهجوم هو ما دفع الأعداء للاعتراف بالقوة اليمنية. فهم يدركون أن أي محاولة للنيل من هذا البلد ستقابل بخسائر مضاعفة، وأن اليد اليمنية باتت قادرة على الرد في المكان والزمان المناسبين.
القوة والإرادة: معادلة الانتصار اليمني
ليست القوة في السلاح وحده، بل في الإرادة التي تحركه، هنا تميز اليمن بقدرة استثنائية.. لقد أثبت أن الشعب المحاصر والمستهدف قادر على تطوير ذاته وتحدي كل المعوقات.. ومن تحت الركام خرج جيش منظم يمتلك خبرة قتالية فريدة تجعله في مقدمة جيوش المنطقة.
هذا ما أدركه العدو جيداً، فكلما حققت القوات اليمنية نجاحاً عسكرياً، تراجعت حسابات التحالف، واتسعت مساحة الأمل لدى الشعوب الحرة في المنطقة.
اليمن.. صانع القرار الإقليمي الجديد
الاعتراف البريطاني ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الحقائق التي تثبت أن اليمن أصبح صانع قرار إقليمي. لم يعد مجرد ساحة صراع، بل تحول إلى قوة قادرة على رسم الخطوط الحمراء التي لا يتجاوزها أحد.
إن القوات المسلحة اليمنية اليوم تمثل حصناً منيعاً يحمي السيادة الوطنية، ويؤكد أن الإرادة الحرة قادرة على قلب موازين القوة. ومع كل يوم يمر، يترسخ واقع جديد عنوانه: “اليمن خرج أقوى مما كان، وصار رقماً صعباً في معادلات المنطقة والعالم”.
المصدر: الحقيقة | جميل الحاج