برزت الأجندات العسكرية الإماراتية باتجاه الجزر والموانئ الجنوبية والشرقية لليمن بدعم أميركي إسرائيلي مباشر منذ إعلان “التحالف” الحرب على اليمن في مارس 2015، ممثلة انتهاكًا صارخًا للسيادة اليمنية.
واتجهت القوات الإماراتية نحو بناء قواعد عسكرية في الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، بدءً من السيطرة على أرخبيل سقطرى المدرجة في قائمة التراث العالمي من اليونسكو، وجزيرة ميون عند مدخل البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب، الذي يعد أحد أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم، وغيرها من المنشآت التنموية والخدمية في مدينة عدن، ومنشأة بلحاف الغازية في شبوة، وإغلاق مطار الريان أمام الرحلات المدنية في المكلا بحضرموت وتحويله لقاعدة عسكرية مشتركة مع القوات الأميركية منذ مطلع 2016، حتى يومنا هذا.
كما تسعى الإمارات، من خلال تعزيز دورها العسكري في الجزر والموانئ اليمنية، لضمان سيطرة حليفتها “إسرائيل” على الممرات البحرية، واضعافها للموانئ اليمنية، للحفاظ على تفوق التجاري والاقتصادي في ميناء “جبل علي” بدبي، كمركز محوري للتجارة الإقليمية.
ذرائع للسيطرة
استخدمت الإمارات والسعودية أدواتها الناعمة من الكيانات والفصائل المسلحة للسيطرة على الجزر والموانئ والمطارات المدنية والعسكرية اليمنية، تحت مسمى مواجهة “النفوذ الإيراني” في اليمن؛ لتبرير عملياتهما العسكرية ضد الشعب اليمني، التي تأتي ضمن الأجندة الحقيقية للكيان الصهيوني في البحرين الأحمر والعربي للسيطرة على مضيق باب المندب، تجلى ذلك بعد تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو” خلال 2017، الذي وصف سيطرة” أنصار الله” في صنعاء، على الساحل الغربي لليمن “يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل”.
دفعت القوات الإماراتية بأدواتها من الفصائل الجنوبية “العمالقة”، التي أسندت قياداتها للعناصر السلفية المتطرفة – بينها موالين لتنظيم القاعدة – للسيطرة على المناطق الساحلية الغربية المطلة على مضيق باب المندب في لحج، منها المضاربة ورأس العارة، وصولًا إلى المخا وبقية مديريات تعز الغربية وفشلت في السيطرة على ميناء الحديدة، وإبقاء تلك الفصائل تحت قيادة “طارق عفاش”، الذي احتضنته الإمارات عقب أحداث ديسمبر 2017، بتجنيدها للآلاف من العناصر في معسكر “بئر أحمد” بعدن، تحت مسمى “حراس الجمهورية” لتكون بالقرب من مضيق باب المندب.
يعود الاهتمام الإماراتي الصهيوني بمنطقة باب المندب إلى تصريحات “وزير خارجية الكيان” بتاريخ 29 يونيو1966، الذي قال: ”إذا سقطت ميون في أيدي غير صديقة – أي لإسرائيل – فقد ينجم موقف خطير”؛ وذلك لارتباطه بميناء أم الرشراش المحتل “إيلات”، مع الاهتمام الصهيوني بإبعاد الدولة اليمنية منذ العام 1967م عن موقعها الجغرافي في مضيق باب المندب والجزر اليمنية.
لذلك لم يكن بناء القواعد العسكرية الإماراتية بالقرب من مضيق باب المندب محض صدفة، بل كان جزء من مخطط صهيوني للسيطرة على البحر الأحمر، حيث أكد موقع “ديبكا الإسرائيلي” في يونيو 2021، أن الإمارات شرعت في إنشاء قاعدة عسكرية ومهبط للطائرات بجزيرة ميون نهاية 2016، الأمر الذي يتيح للتواجد الصهيوني مراقبة الممر البحري في باب المندب، كما شرعت الإمارات في أبريل الماضي، بنشر رادارات “إسرائيلية” متطورة من طراز “ELM-2084 3D AESA” بالقرب من قاعدة “بوصاصو” في بونتلاند الصومالية، بهدف تعقب الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تطلقها صنعاء على الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، ضمن الخطوات الإماراتية الصهيونية المشتركة.
وتناول تقرير “موقع ديبكا”، الأهمية الاستراتيجية للقاعدة العسكرية في جزيرة ميون، بما من شأنها تغيير موازين القوى العسكرية في المنطقة البحرية، مع اعتراف السعودية عبر وكالة الأنباء التابعة لها خلال مايو 2021، بإنشاء قاعدة عسكرية في ميون بهدف التصدي لقوات صنعاء وتأمين الملاحة البحرية؛ ردًا على اتهام مكتب “الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي”، للإمارات بإنشاء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية دون معرفة “هادي”، الذي تم منعه فيما بعد من العودة إلى عدن.
وأمام التحركات الإماراتية والاطماع القديمة للكيان الصهيوني، أثبتت الأحداث بما لا يدع مجالًا للشك أن تواجد فصائل عضو “مجلس القيادة” – طارق عفاش – التابعة للإمارات بالقرب من باب المندب في المخا، لتأمين المصالح البحرية “الأمريكية الإسرائيلية”، أكدتها إشادة سفارة واشنطن لدى الحكومة التي أنشأها التحالف في عدن، بجهود “عفاش”، خلال الأسبوع الماضي.
مراكز رصد الصواريخ والمسيرات
حولت الإمارات أرخبيل سقطرى الواقع شرق خليج عدن منذ مطلع العام 2016، إلى قاعدة عسكرية للأجندات الصهيونية بالمنطقة؛ لما تشكله سقطرى من نقطة التقاء استراتيجية تشرف على طرق الملاحة الدولية بين الشرق والغرب عبر المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عمان وخليج عدن، وقربها من باب المندب، وتضع الجزيرة العربية والقرن الأفريقي والخليج العربي، وغرب المحيط الهندي، وباب المندب الذي بربط بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس، تحت سيطرة التمركز العسكري في الجزيرة، حيث كانت المساعدات الإنسانية الإماراتية بمثابة حصان طروادة للسيطرة على الأرخبيل عبر أذرع مخابراتها “الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة”، لتقديم الدعم لأهالي الجزيرة مستغلة إعصاري “تشابالا، وميج” اللذين ضربا الأرخبيل نهاية 2015.
لكن سرعان ما كشفت الإمارات عن نواياها الحقيقية عقب أحداث مايو 2018، مع رئيس الحكومة السابقة – التي أقالها التحالف – “أحمد عبيد بن دغر”، وما أعقبها من تدخلات سعودية في الجزيرة بإرسال “قوات 808”.
ظهرت سقطرى فيما بعد كقاعدة عسكرية واستخباراتية للكيان الصهيوني، لاسيما بعد التطبيع الرسمي بين أبو ظبي والكيان منتصف 2020، حيث نشرت “إسرائيل” مراكز مراقبة بحرية متطورة في مناطق متعددة بأرخبيل سقطرى، في رأس جبل قطينان الاستراتيجي، وجمجموه بمنطقة مومي، وجزيرة عبد الكوري التي تحولت لقاعدة عسكرية “إسرائيلية”، وانتهى وضع العلامات الأرضية للمدرج مطلع العام الجاري 2025.
ونشر الاحتلال الإسرائيلي أجهزة استشعار لرصد الصواريخ والطائرات المسيرة لقوات صنعاء الموجهة ضد السفن الإسرائيلية والقطع البحرية الأميركية في خليج عدن وباب المندب وتلك التي تستهدف عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما نشر منظومة دفاعات جوية صهيونية خلال نوفمبر 2023، عقب حظر القوات اليمنية الملاحة أمام السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي دعما وإسنادا لأبناء غزة.
اهتمام إسرائيلي ويقظة يمنية
حظيت السيطرة الإماراتية على الجزر اليمنية، باهتمام المراقبين الإسرائيليين، لاسيما المختص في الشؤون العربية “إيهود يعاري” الذي رأى أن سقطرى تشكل حلقة وصل بين سلسلة القواعد العسكرية التي أسستها الإمارات في مطار الريان بمدينة المكلا، وقاعدة ميون في مضيق باب المندب، وقواعد أخرى في “بونتلاند” في الصومال، وقاعدة عصب في إريتريا.
وأمام تلك التحركات، لا زالت حكومة صنعاء وقواتها المسلحة على يقظة عالية في الرصد الاستخباراتي المستمر للتحركات المعادية الإماراتية “الإسرائيلية” في مختلف القواعد العسكرية، التي تعتبرها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي اليمني والعربي، وأن تلك التوسعات المعادية لليمن في معركة الدعم والإسناد لأبناء غزة سيكون لها تبعات خطيرة دون تنازل أبناء الشعب اليمني عن سيادتهم وأمنهم.