hajjahnews

جمعة رجب كما قرأها قائد الثورة: حصانة الهوية الإيمانية ومواجهة الأمة للإساءات الأمريكية والإسرائيلية للمقدسات

متايعات

لم يتعامل قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمته بمناسبة جمعة رجب 1447هـ مع المناسبة بوصفها إطارًا احتفاليًا تقليديًا، بل استخدمها كنقطة انطلاق لخطاب يتجاوز الزمن والمناسبة إلى تشخيص واقع الأمة، وتحديد طبيعة الصراع، وتثبيت معايير الانتماء والاصطفاف في مرحلة تتعرض فيها الهوية الإيمانية لاستهداف غير مسبوق. ومن هذا المنطلق، لا يمكن قراءة الكلمة بمعزل عن سياقها السياسي والاستراتيجي، ولا حصرها في بعدها الديني أو التاريخي، إذ حضرت المناسبة بوصفها أرضية رمزية لاستحضار معنى الهداية والانتماء، لا غاية بحد ذاتها، بل أداة لإعادة فتح الملفات الكبرى المرتبطة بمعركة الهوية، وخطر حركة النفاق، والحرب الناعمة الشيطانية، وطاغوت العصر، والاستهداف المنهجي للقرآن الكريم ومقدسات المسلمين.

وفي هذا السياق، قدّم السيد القائد قراءة سياسية واقعية لما يجري على مستوى العالم الإسلامي، مؤكدًا أن ما تتعرض له الأمة ليس مجرد ضغوط سياسية أو عسكرية، بل محاولة شاملة لتفريغها من انتمائها الإيماني وفصلها عن القرآن الكريم، باعتباره المرجعية التي تفضح الطغاة وتكشف مشاريعهم. وتبرز هنا إشادته بالموقف المشرف للشعب اليمني تجاه الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم كنموذج عملي للانتماء الإيماني الحي، ودليل على أن المعركة ما تزال مفتوحة، وأن الرهان الأساسي هو على الوعي والموقف، لتغدو الكلمة وثيقة سياسية–إيمانية تُقرأ على ضوء الواقع، وتتحول جمعة رجب إلى مدخل تحليلي لا إلى محور سردي

من نعمة الهداية إلى مسؤولية المواجهة

انطلاقًا من هذا الفهم الذي قدّمه السيد القائد في مقدمته الخطابية، تنتقل الكلمة مباشرة إلى جوهر الرسالة الأولى: الهداية بوصفها مسؤولية وليست مجرد نعمة تاريخية. إذ يؤكد السيد عبدالملك الحوثي أن جمعة رجب تمثل أعظم التحولات التاريخية المصيرية للشعب اليمني، لأنها لحظة الدخول في الإسلام والإيمان، أي لحظة الانتقال الجذري في الرؤية والقيم والانتماء. غير أن الخطاب لا يتوقف عند توصيف هذه النعمة، بل يحمّلها بعدها العملي، معتبرًا أن تقدير جمعة رجب لا يتحقق إلا بالشعور الحقيقي بقيمتها، واستلهام دروسها، وترسيخ ما تمثله من هوية إيمانية أصيلة في الواقع العملي.

التحول التاريخي الذي تمثله جمعة رجب لا يقتصر على كونها ذكرى، بل يختبر مستوى الوعي بالانتماء الإيماني، ويضع أمام المجتمع مسؤولية مباشرة في مواجهة الانحرافات. حين يؤكد السيد القائد أن التقدير الحقيقي لجمعة رجب يكمن في استلهام الدروس منها وترسيخ الهوية الإيمانية، يصبح هذا الارتباط معيارًا عمليًا للتمييز بين المواقف الصادقة والمواقف التي تخضع للضغوط الخارجية أو الانحرافات الفكرية. الهداية هنا ليست نعمة تتوقف عند الذكرى التاريخية، بل إطار متصل بالواقع، يعكس قدرة الشعب على الحفاظ على انتمائه وسط الهجمات المتعددة التي تواجه الأمة.

وعند إسقاط هذه الرسالة على واقع اليوم، يتضح أن الصراع، كما يقدّمه السيد القائد، لم يعد يدور حول قضايا فرعية أو خلافات سياسية عابرة، بل حول جوهر الانتماء نفسه. فاستهداف اليمن لا ينفصل عن استهداف الأمة، لكنه يتخذ طابعًا أشد لأن هذا الشعب لا يزال يحتفظ بعلاقة حيّة مع الإسلام والإيمان، وبنماذج تاريخية ممتدة في الالتزام والانتصار لهذا الانتماء. ومن هنا، تصبح جمعة رجب محطة تحصين ووعي، تعيد تعريف العلاقة بين الماضي والحاضر، وتمنع تحويل التاريخ إلى مجرد مادة للحنين أو الفولكلور المنفصل عن معركة الواقع.

تتجسد مسؤولية الهداية في التزام المجتمع بالتصدي لمحاولات التشويه والإفساد، حيث يشدد السيد القائد على أهمية ترسيخ هذا الانتماء عبر التربية والوعي، وإحياء النماذج التاريخية التي تمثل مسار الشعب اليمني في الالتزام والانتصار للهوية الإيمانية. تصبح جمعة رجب، في هذا السياق، لحظة اختبار حي للانتماء، ومؤشرًا على مدى قدرة الأمة على مواجهة التحديات الراهنة، وتحويل الوعي بالماضي إلى قوة عملية تحمي الحاضر وتعيد ضبط العلاقة مع المبادئ التي تحدد موقفها أمام القوى المستهدفة لهويتها الإيمانية.

وفي هذا السياق، يربط الخطاب بوضوح بين الذاكرة الدينية والواقع السياسي، ويؤكد أن مواجهة الاستهداف الراهن تبدأ من الوعي بالهوية، لأن أي شعب يفقد إدراكه لقيمة انتمائه يصبح قابلًا للانحراف، والتفريغ، والاحتواء من قبل الأعداء، مهما امتلك من تاريخ أو شعارات.

الانتماء الإيماني في مواجهة حركة النفاق والحرب الناعمة

ومن الحديث عن الهوية كمسؤولية، ينتقل السيد القائد إلى تشخيص الخطر الذي يستهدف هذه الهوية من الداخل، ممثلًا في حركة النفاق في الأمة. فالنفاق، كما يقدّمه الخطاب، ليس حالة فردية أو خللًا سلوكيًا محدودًا، بل مسار منظم يعمل على مسخ الانتماء الإيماني وتحويله إلى حالة فارغة من المضمون، تتكامل وظيفته مع مشروع الطاغوت والاستكبار في تدجين الأمة وإخضاعها.

ويكتسب هذا التشخيص بعده السياسي الواقعي حين يربطه السيد القائد بما سمّاه الحرب الناعمة الشيطانية، وهي حرب تستهدف الإنسان المسلم في وعيه، وفي مرجعيته، وفي بوصلته الفكرية، وتسعى إلى صناعة التبعية على مستوى المواقف والتوجهات، لا عبر السلاح، بل عبر التضليل، وتغيير المفاهيم، وإعادة ترتيب الأولويات. وهنا، يضع الخطاب هذه الحرب في موقعها الحقيقي بوصفها أخطر ساحات الصراع، لأنها تُنتج إنسانًا منفصلًا عن هويته دون أن يشعر.

وفي مقابل هذا الاستهداف، يبرز مفهوم الجهاد في سبيل الله بالمفهوم القرآني كمعيار حاسم لصدق الانتماء الإيماني. فالجهاد، كما يوضحه السيد القائد، ليس عنوانًا شكليًا، ولا ممارسة منحرفة تُستغل لخدمة أعداء الإسلام والمسلمين، بل هو بذل شامل في كل المجالات لإقامة دين الله، والتصدي للطاغوت، وحماية الأمة والمستضعفين. وبهذا الفهم، يرسم الخطاب خطًا فاصلًا بين الانتماء الأصيل والانتماء المزيف، ويكشف زيف الشعارات التي لا تترجم نفسها في الموقف العملي.

سياسيًا، تعني هذه الرسالة أن الصراع القائم اليوم هو صراع اصطفاف واضح: إما مع منهج الله والتحرر من الطاغوت، أو مع الطاغوت تحت أي عنوان، مهما بدا جذابًا أو مخادعًا.

الهجمة الغربية على القرآن ومقدسات المسلمين

وفي تتويج لمسار التشخيص، يضع السيد عبدالملك الحوثي القرآن الكريم في قلب الصراع مع طاغوت العصر، مؤكدًا أن الهجمة الغربية على القرآن ومقدسات المسلمين ليست أحداثًا عفوية أو تجاوزات فردية، بل جزء من مشروع متكامل يهدف إلى فصل الأمة عن مصدر هدايتها الوحيد. فالقرآن، كما يقدّمه الخطاب، هو المرجعية التي تفضح الطغاة، وتكشف حقيقتهم، وتجلّي واقعهم، ولذلك يشكّل خطرًا وجوديًا على قوى الاستكبار.

وتكشف القراءة السياسية الواقعية لهذه الرسالة أن استهداف القرآن يتم اليوم عبر مسارات متوازية: إساءات مباشرة للمصحف الشريف، تحريف المناهج التعليمية، حذف الآيات القرآنية، تغييب المفاهيم الأساسية في الإسلام والإيمان، وفرض المعيار الأمريكي والغربي كمرجعية عليا فوق القرآن. وهذه المسارات، كما يبيّن الخطاب، لا تعمل بشكل منفصل، بل تتكامل لإحداث انفصال ذهني ونفسي بين المسلمين وكتاب الله، تمهيدًا للسيطرة الشاملة عليهم.

وفي هذا السياق، يبرز الموقف المشرف للشعب اليمني الذي أشاد به السيد القائد بوضوح، واعتبره نموذجًا عمليًا للانتماء الإيماني الحي في مواجهة الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم. فهذه الإشادة لا تأتي في سياق عاطفي، بل تحمل دلالة استراتيجية عميقة، تؤكد أن ارتباط اليمنيين بالقرآن ليس ارتباطًا نظريًا أو موسميًا، بل ارتباطًا واعيًا وفاعلًا يترجم نفسه في الموقف والرفض والدفاع عن المقدسات.

ويشير الخطاب إلى أن هذا الموقف الشعبي هو ما يقلق الأعداء ويدفعهم إلى قياس ردود الفعل، لأنهم يدركون أن الأمة ما دامت تحتفظ بعلاقتها بالقرآن، فإن مشاريع الإضلال والتفريغ ستظل ناقصة وعرضة للفشل.

جمعة رجب كخط دفاع أول في معركة الوعي

في الخلاصة، تقدّم كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي جمعة رجب بوصفها مدخلًا واعيًا لمعركة الهوية والانتماء، لا مجرد مناسبة دينية للاحتفاء. فهي لحظة وعي متجددة، ومعيار لصدق الانتماء الإيماني، وأداة تحصين في مواجهة أخطر مراحل الصراع مع طاغوت العصر.

ومن خلال إبراز الموقف المشرف للشعب اليمني تجاه الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم، يؤكد الخطاب أن اليمن لا يزال يمثل نموذجًا حيًا للانتماء الإيماني الصادق، وأن هذا الانتماء هو مصدر القوة الحقيقي في مواجهة مشاريع الاستكبار، مهما امتلكت من أدوات وإمكانات. وبهذا المعنى، تتحول جمعة رجب من ذكرى تاريخية إلى عنوان دائم لمعركة الوعي، والهوية، والانحياز للقرآن، في زمن لم يعد فيه الصراع على الأرض فقط، بل على الإنسان، وعلى عقيدته، وعلى معنى انتمائه.