من “الدفاع عن الصحابة” إلى “الصمت عن إهانة القرآن”.. كيف أسقط شعب القرآن شعارات السعودية لتبريرعدوانها على اليمن
تقريرـ محسن علي
في مشهد مهيب يمزج بين الوازع الديني والقرار السياسي، شهدت العاصمة اليمنية صنعاء الجمعة الماضية خروجاً مليونياً حاشداً في ميدان السبعين وفي مختلف ساحات بقية المحافظات الحرة، أعلنت فيه الجماهير اليمنية الغاضبة والمستنفرة نصرتها الصريحة والمدوية للقرآن الكريم في وجه الإساءات المتكررة التي طالته,هذا الخروج، الذي أتى استجابة لدعوات القيادة ورابطة علماء اليمن, كان بمثابة بياناً عملياً يضع الموقف من المقدسات الإسلامية على محك الاختبار الحقيقي.
وفي خضم هذا الحشد اليمني المنتصر للقرآن، يبرز تساؤل تحليلي نقدي حول المواقف الإعلامية والسياسية الأخرى في المنطقة، وتحديداً تلك التي رفعت شعارات دينية كبرى لتبرير العدوان على اليمن، ليتبين أن صمتها عن الإساءة لكتاب الله قد أسقط قناع تلك الشعارات وكشف عن أولويات مختلفة تماماً لا تمت بصلة إلى نصرة الدين والمقدسات, فكيف فضح هذا الخروج المليوني التناقض بين الشعارات المرفوعة والأفعال المتبعة، وما هي الرسالة التي وجهها اليمنيون إلى العالم الإسلامي حول مفهوم الانتصار الحقيقي للقرآن الكريم؟
تناقض يكشف أولويات العدوان
لطالما استخدم الإعلام السعودي، منذ بدء العدوان على اليمن، شعارات دينية طائفية كبرى، أبرزها “الدفاع عن الصحابة”، لتبرير عدوانه على اليمن ضمن التحالف الأمريكي الإماراتي مطلع العام2015م وتحشيد المرتزقة والبسطاء من عامة الناس سواء في داخل اليمن أو عمق الشعوب العربية والإسلامية للقتال في صفوفه، وقد تم توظيف هذه العناوين لصبغ العدوان بصبغة دينية مقدسة، وتصوير الخصم “حركة أنصار الله” أو من يصفونهم بـ “الحوثيين” بأنهم أعداء للدين والمقدسات الإسلامية ورموزها وقادتها.
الخطاب الإعلامي المضلل لأسطول دول تحالف العدوان, واجه اختباراً حقيقياً مع تزايد وتيرة الإساءات للقرآن الكريم في الغرب وللرسول المصطفى محمد صلوات الله عليه وآله، والتي كان آخرها إساءة أحد أبرز المشرحين الأمريكيين الذي جعل من القرآن الكريم وسيلة دعاية ترويجية لحملته الانتخابية إذ وضعه في فم مجسم “خنزير” , هذه الإساءة التي أدانها قائد الثورة السيد القائد عبدالملك بدري الدين الحوثي وعلماء اليمن والشعب اليمني واعتبروها “مخططات صهيونية” وهنا، وقبله ظهر التناقض الصارخ للشعارات والعناوين السعودية المرفوعة المظللة والتي منها “الدفاع عن رموز دينية تاريخية وفي مقدمتهم “الصحابة”.
الموقف المخزي من الإساءة الكبرى
صمت إعلامي وسياسي مطبق أو إدانة خجولة لا ترقى إلى مستوى الحدث، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإساءة من قبل حلفاء سياسيين (أمريكا وإسرائيل) كما تراهم عيون الأنظمة العربية والإسلامية سيما من هرول منهم في قطار التطبيع مع العدو وعلماؤهم الخونة، هذا التباين في ردود الفعل كشف، بحسب المراقبين، عن أن الشعارات الدينية التي رُفعت لتبرير العدوان على اليمن لم تكن نابعة من غيرة حقيقية على المقدسات، بل كانت مجرد أدوات تحشيد سياسية لخدمة أجندات إقليمية، فالصمت عن الإساءة لأصل الدين (القرآن) يفضح الادعاء بالغيرة على فروعه (الصحابة)، ويؤكد أن الأولوية هي للمصالح السياسية والتحالفات الدولية، حتى لو كان ثمنها التغاضي والصمت عن إهانة أقدس المقدسات للأمة الإسلامية والعربية وهو “القرآن الكريم ورسول الله محمد صلوات الله عليه وآله”.
لا نصرة لكتاب الله بالصمت على الإساءة للرسول
الخروج المليوني في ميدان السبعين لم يكن مجرد إدانة للإساءة للقرآن، بل كان أيضاً رسالة واضحة بأن الانتصار الحقيقي للقرآن لا يمكن أن يتحقق بالصمت على أي إساءة تطال المقدسات الإسلامية، بما في ذلك الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو حتى من الصحابة الأخيار من المهاجرين والأنصار, فمن يعلن نفيره ويخرج إلى الساحات انتصارات للقرآن الكريم فهو من له الحق أن يدافع عن الرسول وصحابته, ولا صوت يعلوا فوق هذا الصوت في موقف الحق وعلى أساس من الوعي والبصيرة, ولماذا بلع العلماء ألسنتهم دون إصدار أية فتاوى نصرة للقرآن, خلافا على ما غرروا على الناس بفتاويهم الكاذبة لقتال الشعب اليمني تحت مزاعم “الدفاع عن الصحابة” وصمتوا تجاه إهانة القرآن ..؟!
رسائل شعب القرآن والرسول محمد
المشهد المليوني الذي رسمه شعب القرآن وأحباب الرسول المصطفى في لوحة جسدت الوفاء بالعهد لله ورسوله وأعلام الهدى ونصرة كتابه والدفاع عن مقدساته أكدت أن الموقف اليمني حازم وجازم يضع العقيدة فوق أي اعتبارات سياسية أو تحالفات دولية أو دعوات لضبط النفس وعدم التصعيد’ وأن الأولوية للفعل قبل القول, وأن نصرة القرآن يتطلب الجهاد والتعبئة ضد أعدائه من اليهود والنصارى وضرورة الإعداد للمواجهة الشاملة وصولا لإصدار حكم شرعي صريح بـ “هدر دم” المسيء للقرآن , وليس بالانكفاء أو الصمت المطبق الذي يخدم أجندات المعتدين على المقدسات مثلما هو الحال قائم في غالبية دول وزعامات الدول العربية والإسلامية التي لم تنبس ببنته شفه تجاه هذه الإعتداء المعلن.
معركة الدفاع عن المقدسات
الموقف اليمني في وحدة المعركة يرى أن معركة الدفاع عن المقدسات هي جزء لا يتجزأ من معركة التحرر من الهيمنة الأجنبية, وتؤكد الأحداث أن من لا يهب لنصرة كتاب الله وتعظيمه فليس لبقية المقدسات الإسلامية ورموزها أي قيمة في أثره ووجدانه وحتى إسلامه, وما صمتهم المهين على الانتهاكات الصهيونية الصارخة التي يتعرض لها المسجد الأقصى في فلسطين إلا خير شاهد ودليل.
تأكيد قدسية القرآن
الإساءة للقرآن تعد محاولة لضرب قدسية المقدسات في نفوس المؤمنين، لكن أن اليمن بقيادته وشعبه وعلمائه يؤكدون أنهم سيظلون حصناً صامداً في الدفاع عن القرآن الكريم ’ وقد أصدرت رابطة علماء اليمن بياناً شديد اللهجة يدين الإساءة، مؤكدة أن من قام بها هو “مهدور الدم شرعًا”، وحمّلت الإدارة الأمريكية كامل تداعيات هذه الأعمال العدوانية, كما شدد البيان على وجوب “إذكاء روح الجهاد وإعلان التعبئة العامة” لمواجهة قوى الطاغوت وحلفائهم أمريكا وإسرائيل، في إطار المواجهة المفتوحة مع قوى الاستكبار العالمي .
خيار لا رجعة عنه
اليمنيون بخروجهم المليوني انتصارا لكتاب الله تجسيد أصيل لهوية إيمانية جهادية ترفض الفصل بين العقيدة والسياسة، وإن الحجم الهائل للحشود يؤكد على الإجماع الشعبي حول هذا التوجه، ويمنح القيادة تفويضا شعبياً واسعاً متجددا لاتخاذ قرارات استراتيجية في سياق نصرة القضية الفلسطينية على رأسها غزة ومقدسات الأمة وعلى رأسها القرآن الكريم والرسول المصطفى محمد صلوات الله عليه وآله, كخيار ثابت لا رجعة فيه، وأن هذا الموقف يمثل تحدياً مباشراً للأنظمة “العميلة” التي يخيّم عليها الصمت المطبق المخزي والمهين.
