تقرير | يحيى الشامي
لا يُعلم سبب واضح لإفصاحِ الأمريكي عن إعجابه بالإبداع اليمني الذي اتخذته العمليات اليمنية أثناء الاشتباك مع البحرية الأمريكية، لكن المعلوم أن العقل الأمريكي المثقل بغرور التكنولوجيا وجد نفسه فجأة أمام تجربة فريدة في الأدوات، ومبدعة في الأساليب، وغير تقليدية في التفكير والتنفيذ، حتى اضطروا -وهم يعبّرون عن صدمتهم لتجاوز حدود الإقرار بفشلهم- إلى الإعجاب بأساليب اليمنيين وتكتيكاتهم المبتكرة.
في هذا السياق المتجدد بين حينٍ وآخر على ألسن القادة والخبراء والمختصين لا ينتهي اعتراف إلا ويبدأ آخر أكبر، وليس انتهاءً بحديث رابطة مشاة البحرية الأمريكية في نقل رأي تحليلي صادر عنها. التحليل المطول على موقع الرابطة أسهب في الحديث بدهشة عن عمليات اليمنيين البحرية، وعن الدروس المستخلصة من المواجهة الأخيرة في ما أسموه دروساً عملياتية غير متوقعة أدخلت البحرية الأمريكية مواجهة غير تقليدية وكلفتهم خسائر غير محدودة.
يشير التحليل -بإعجاب- إلى استخدام اليمنيين تكتيكاتٍ غير مسبوقة وأساليب جديدة فرضت على البحرية الأمريكية حرباً غير متكافئة، ويشرح كيف نجحت العمليات اليمنية -المفتقرة لأدوات استراتيجية كبرى- في الدفع بالقوة الأمريكية إلى مسرح ثانوي.
تستفيض رابطة مشاة البحرية الأمريكية في تفصيل دروس المواجهة البحرية مع اليمنيين، تعلي من شأن ما جرى وفرادته، جاعلة منه محطّة فارقة في تاريخ المواجهة البحرية. “اليمنيون الذين عملوا بوسائل متواضعة وببساطة حققوا نتائج استراتيجية”، لا يتردد التقرير في دعوة الجهات المعنية إلى تجاوز الإعجاب العابر إلى التأمل العقائدي المُفضي إلى التغيير.
مايثير دهشة البحرية الأمريكية -وفقاً لتحليل الرابطة- ليس أن اليمنيين استخدموا وسائل منخفضة التكلفة، بل أنهم حوّلوا هذه الوسائل إلى أدواتٍ استراتيجية، فبينما كانت المدمرات الأمريكية تطلق صواريخ بقيمة أربعة ملايين دولار لاعتراض مسيّرة تكلف عشرة آلاف، أكثر من كونها غير متكافئة مالياً وعسكرياً قدم اليمنيون فلسفة حربية تقوم على “أكثر بأقل”، والمفارقة أنه الشعار الذي رفعه سلاح مشاة البحرية الأمريكية منذ عقود.
أكثر ما يُقلق المخططين العسكريين الأمريكيين ليس فقط فعالية الوسائل اليمنية، بل القدرة على التكيّف والبقاء. فاليمنيون ‘كما يقول التقرير- يعتمدون على “البساطة، التنقل، والاختفاء السريع بعد كل إطلاق”، وهي مبادئ تبدو بدائية لكنها فعالة في بيئةٍ متنازع عليها. وفي هذا السياق، يُقرّ التقرير أن “الابتكار العملياتي لا يحتاج إلى موارد ضخمة، بل إلى عقلية مرنة وغير تقليدية”.
وفي سياق استمرار الإقرارات الصادرة من الأوساط الغربية والخبراء والمختصين، لا ينتهي اعترافٌ إلا ويبدأ آخر أكبر. فبعد “غلوبس” و«تاسك آند بيربس»، جاءت رابطة مشاة البحرية الأمريكية لتؤكد أن اليمنيين «قدموا دروساً عملياتية غير متوقعة»، و«أدخلوا البحرية الأمريكية في مواجهة غير تقليدية، وكلفتهم خسائر غير محدودة».
وفي حين كانت أمريكا تُحرّك حاملات الطائرات والقاذفات الشبحية B-2 لضرب أهداف في اليمن، كان اليمنيون يُجبرونها على اللجوء إلى «الهروب من رصد الخصم»، لأن تحديد مصدر الهجوم «أصعب بكثير».
«اليمنيين قدموا دروساً عملياتية غير متوقعة وتمكنوا -دون قِطع بحرية أو قوة جوية- من تحدي البحرية الأمريكية، وفرض مليارات الدولارات من التكاليف عليها».
وأضافت الرابطة أن «اليمنيين أثبتوا فعالية الأدوات منخفضة التكلفة خلال الهجمات على السفن»، مشيرةً إلى أن «الولايات المتحدة فشلت في استهداف منصات الإطلاق الحوثية رغم ISR المتقدم».
وأكدت الرابطة أن «التهديدات اليمنية المتعددة تجبر المدمرات الأمريكية على استخدام ذخائر دقيقة مكلفة للغاية»، وأن «المدمرات الأمريكية تطلق صواريخ بقيمة 4 ملايين دولار لاعتراض مسيرة تكلف 10 آلاف دولار».
كما نقلت الرابطة قولها: «قوات MLR يجب أن تتعلم من قدرة اليمنيين على العمل داخل بيئات متنازع عليها بوسائل منخفضة التكلفة»، مضيفةً «اليمنيون يمثلون مصدراً غير متوقع للرؤى التكتيكية، وعلى سلاح مشاة البحرية دراسة تكتيكاتهم الفعالة، وتكييفها ضمن عقيدة قادرة على مواجهة القوى العظمى».
ويختتم التحليل الأمريكي سرده المندهش بسؤال مرفوع إلى المؤسسة العسكرية وصنّاع القرار: “ما أظهره اليمنيون من دروس متاحة الآن، لكن هل لدينا التواضع لنتعلم؟” يسأل كابتن البحرية، ويدعو بمقاله لتطبيق التجربة اليمنية.
«غلوبس» تكشف فشل «حارس الازدهار» والاعتراف بالقدرات البحرية اليمنية
نقلت صحيفة “غلوبس” الصهيونية في تقريرٍ مطوّل عن الأدميرال الأمريكي المتقاعد قوله بوضوح: «نفّذ الحوثيون عمليات بحرية واجهت الولايات المتحدة ودولاً أخرى صعوبة في التعامل معها». وأضاف الأدميرال في حديثه للصحيفة: «في إسرائيل نجحتم في اعتراض صواريخ من اتجاهات مختلفة، بينها اليمن، وهذا أمر إيجابي، لكن اليمنيين أظهروا قدرات لم يتوقعها كثيرون».
وأوضحت “غلوبس” أن إدارة بايدن أنشأت تحالف «حارس الازدهار» في ديسمبر 2023 بمشاركة بريطانيا وفرنسا، بهدف تأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر، لكنه «مُني بفشل ذريع»، وفي مايو الماضي، أُجبر الرئيس دونالد ترامب على إعلان وقف إطلاق النار مع اليمنيين بوساطة عمانية.
ونقلت الصحيفة عن الخبير الأمريكي أن «الهجمات التي نفّذتها إسرائيل والولايات المتحدة كانت غير متوازنة إطلاقاً من ناحية الكلفة»، واستشهدت بإسقاط اليمنيين 14 طائرة أمريكية من طراز MQ-9 Reaper، والتي تبلغ كلفة الواحدة نحو 30 مليون دولار.
ونقلت “غلوبس” عن القائد السابق للبحرية الأمريكية أنه ينبغي استخلاص درسين أساسيين: الأول هو عدم التقليل من شأن القدرات البحرية لليمنيين، وثانياً أن «التهديدات لن تقتصر على هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار، بل ستمتد إلى تكنولوجيات جديدة فوق سطح البحر وتحته»، محذراً من أن «الدول التي تعتمد على التجارة البحرية مطالَبةٌ بالاستثمار في منظومات قادرة على الدفاع ضد تهديدات من النوع الذي يمتلكه اليمنيون، هذا التهديد لن يختفي، بل سيتطوّر بفضل ما تعلّمه اليمنيون».
«تاسك آند بيربس»: الدفاعات اليمنية أقوى مما نتصوّر
بدوره نقل موقع «تاسك آند بيربس» الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية -في تقريرٍ نشر في 14 نوفمبر 2025 عن العقيد المتقاعد في القوات الجوية الأمريكية مارك جونزينجر، طيار اختبار سابق لطائرة B-52 ومدير المفاهيم المستقبلية في معهد ميتشل لدراسات الفضاء الجوي- اعترافاً بأن «العمليات في اليمن كشفت دفاعات جوية يمنية أكثر تقدماً من المتوقع، ما يجعل الهجمات بالطائرات غير الشبحية أكثر خطورة».
وقال جونزينجر في التحليل الذي نقله الموقع: «بما أن طائرات B-2 هي طائرات خفية، فإنها قادرة على ضرب أهداف داخل المجال الجوي المحمي بشكل كبير». وأضاف: «الجميع يرى حاملة الطائرات في البحر الأحمر، لكن تحديد هجوم قادم من وايتمان أو مينوت أصعب بكثير»، مؤكداً أن المدى الطويل للطائرة B-2 يمنح الجيش الأمريكي إمكانية «الهروب من رصد الخصم».
وأوضح الموقع الأمريكي أن هذا التقييم جاء بعد أن نشرت وزارة الدفاع الأمريكية ثلاث صور لسرب قاذفات B-2 Spirit تقلع في 19 أبريل من قاعدة دييغو غارسيا لتنفيذ عملية «الراكب الخشن» التي استمرت 3 أشهر، وشملت أكثر من ألف غارة على اليمن. وقال جونزينجر: «لدينا طائرات B-2 قادرة على حمل أسلحة محسّنة لضرب أهداف محصّنة ومدفونة على عمق كبير».
