hajjahnews

اليمن يفكّك الوهم.. استخباراتُ الأعداء بوجهٍ سافر

فهد شاكر أبو راس
لعقود طويلة، نسجت هوليوود وآلاتُ الدعاية الغربية هالةً أُسطورية حول أجهزة استخباراتها، وعلى رأسها الـ “CIA” الأمريكية و”الموساد” الإسرائيلي، مقدِّمة إياها ككيانات خارقة لا تُقهر، تمتلك قدرات لا حدود لها.

لكن اليوم، على صخرة الواقع اليمني الصلب، يتهاوى هذا الوهم الكبير، وتنكشف الحقيقة البدائية خلف القناع البراق، وذلك من خلال الاعترافات المفصلة التي كشفتها شبكة التجسس التي تم تفكيكها في صنعاء.

إن الفجوة بين الأُسطورة الإعلامية والواقع المخزي تبدو هائلة.

فالصورة التي رُسخت في الأذهان عن تقنيات فائقة قادرة على اختراق أي نظام ومراقبة أي شخص، تتبخر أمام الأدلة التي قدمتها التحقيقات اليمنية.

لقد ظهرت هذه الأجهزة وهي تعتمد على أدوات تبعث على الدهشة في بدائيتها: كاميرات مخبأة في قوالب طوب، وتطبيقات هاتفية شائعة لنقل المعلومات.

هذا التناقض الصارخ ليس مُجَـرّد فشل عملياتي، بل هو انهيار لمصداقية السردية الغربية بأكملها.

ثغرات منهجية تفضح عجزًا بنيويًّا
يكشف هذا الإنجاز الأمني اليمني عن ثغرات منهجية عميقة في بنية عمل هذه الأجهزة، تتعارض تمامًا مع صورة الجاسوسية عالية الاحتراف:

ضعف العناصر المُجنَّدة: اعتمدت العملية على مصادر محلية ذات إمْكَانيات محدودة، تم إغراؤهم بحوافز مالية بسيطة.

هذا يشير إلى فشل ذريع في اختراق النسيج المجتمعي اليمني المتماسك، وعجز عن تجنيد عناصر ذات كفاءة أَو مواقع حساسة داخل مؤسّسات الدولة.

محدودية القدرة التقنية: لو كانت الهالة الإعلامية صحيحة، لما احتاجت هذه الأجهزة إلى جواسيس يقومون بمهام يدوية كتصوير المباني من الخارج.

فالمفترض أن بإمْكَانها اختراق كاميرات المراقبة أَو هواتف القادة عن بعد.

إن اللجوء إلى هذه الأساليب البدائية يعكس عجزًا تقنيًّا حقيقيًّا، أَو على الأقل صعوبة بالغة في مواجهة الأنظمة اليمنية.

نمط متكرّر من الإخفاقات العالمية
فشل الأعداء في اليمن ليس حالة معزولة، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من الإخفاقات والفضائح التي تؤكّـد هذا النمط من الضعف:

فضيحة “بيغاسوس”: تعرضت شركة “NSO Group” الإسرائيلية لفضيحة عالمية بعد كشف استخدام برامجها التجسسية من قبل حكومات لقمع الصحفيين والنشطاء، مما يثبت أن هذه الأدوات تُستخدم للقمع أكثر من استخدامها في عمليات استخباراتية دقيقة.

أخطاء بدائية: كشفت تحقيقات صحفية أن أفرادًا من الخدمة السرية الأمريكية وحراس رؤساء دول كبرى وقعوا في خطأ بدائي عبر استخدام تطبيق لياقة بدنية “Strava”، مما سمح بتتبع تحَرّكاتهم وكشف مواقع رؤسائهم.

هذا يثبت أن “أعلى الكفاءات الأمنية” في العالم ترتكب أخطاء تكشف حدودها الحقيقية.

اليمن يحطم الأُسطورة
إن نجاح اليمن في تفكيك هذه الشبكة ليس مُجَـرّد انتصار أمني، بل هو تشريح دقيق لأُسطورة القوة التي تحيط بأجهزة الاستخبارات الغربية.

لقد أثبت اليمنيون أن التماسك المجتمعي واليقظة الأمنية يمكن أن يكونا أقوى من كُـلّ أدوات التجسس.

فالاعتماد على وسائل بدائية، وتجنيد عناصر غير مؤهلة، والافتقار إلى فهم عميق للبيئة المحلية، كلها مؤشرات على أن التحدي الحقيقي لهذه الأجهزة ليس تقنيًّا فحسب، بل هو ثقافي ومجتمعي.

لقد كشف اليمن بشجاعة وجرأة حقيقة هذه الأجهزة التي تدّعي القوة والخبرة، بينما هي في الواقع أضعف مما نتصور، وأقل كفاءة مما تروج، وأكثر بدائية مما نتخيل.

لقد انفجرت فقاعة الوهم عند أول اصطدام لها بالواقع اليمني، لتعلن أن زمن الأساطير الهوليودية قد ولّى، وأن السيادة الحقيقية تُصنع بالوعي والتماسك، لا بالخداع والتجسس.