بقلم – د. نبيل عبدالله القدمي
في عالمٍ باتت فيه الدماء أرخص من المواقف، وصرخات الأطفال تقابل بالصمت، وقفت غزة وحيدة تحت نيران الإبادة الإسرائيلية، والعالم كله يتفرج.
ما يجري هناك ليس حربًا، بل جريمة كاملة الأركان، تمارسها إسرائيل برعاية أمريكية فاضحة، في خرقٍ سافر لكل القوانين الدولية والاتفاقيات الإنسانية.
لقد انتهكت إسرائيل كل ما يمكن أن يحمي الإنسان في زمن الحرب، اتفاقيات جنيف الأربع التي تحظر استهداف المدنيين والمستشفيات، وكذلك اتفاقية لاهاي التي تجرم تدمير الممتلكات العامة والخاصة، والقانون الدولي الإنساني الذي يمنع العقاب الجماعي ويفرض حماية المدنيين، وكذلك اتفاقية حظر الأسلحة المحرمة دوليًا التي داستها إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض والأسلحة الحارقة.
ومع كل هذا، يصمت العالم، وتتحدث المنظمات الدولية ببياناتٍ باردة، وكأنها تتحدث عن مشهدٍ سينمائي لا عن مجزرة بشرية تُرتكب أمامها.
أين العرب، أين جامعة الدول العربية التي خُلقت لحماية الأمة؟
للأسف الشديد تحولت إلى منبر صامت، يصدر بيانات الشجب كما يصدر موظف أرشيف أوراقه اليومية، وأصبح بعض الحكام العرب عبيدًا عند الصهيوني، يهرولون نحو التطبيع كأنهم يتسابقون إلى مذلة التاريخ، بينما غزة تُباد وأطفالها يُدفنون تحت الركام.
لكن في مقابل هذا الخنوع العام، برزت اليمن لتعيد تعريف معنى العروبة والإيمان.
من البحر الأحمر إلى أعالي الجبال، رفع اليمنيون راية الموقف الشجاع، محاصرين الكيان الصهيوني اقتصاديًا وعسكريًا، حيث فشل العالم كله في حصاره أخلاقيا، لقد عجزت أمريكا وإسرائيل ومن تحالف معهما عن صد الهجمات اليمنية، وعن كسر إرادة المقاتل اليمني المؤمن بقضيته، فاليمن اليوم لا يقاتل دفاعًا عن نفسه فقط، بل نيابة عن أمة بأكملها باعت عروبتها بثمن بخس.
وفي قلب هذا الموقف التاريخي يسطع اسم السيد عبدالملك الحوثي، كقائدٍ عربيٍ مؤمنٍ صادق، جمع بين الإيمان والإنسانية والعروبة، لم تكن كلماته خطابات دعائية، بل مواقف عملية تُترجم على الأرض، هو الرجل الذي جعل من اليمن قلعةً للأحرار، في زمنٍ باع فيه الكثيرون أقلامهم ومواقفهم.
سيكتب التاريخ أن في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تقصف غزة، كانت الصواريخ اليمنية تحاصر إسرائيل، وسيكتب أيضا أن في الوقت الذي صمتت فيه الأنظمة العربية، صرخ اليمن بالحق، ورفع راية الكرامة فوق البحر الأحمر.
لقد سقطت الأقنعة، وانكشفت الوجوه، ولم يبقَ إلا اليمن شامخًا في الميدان، يقاتل بدمه وإيمانه عن فلسطين والكرامة والإنسانية.
لن تمر سفن القتلة ما دام في البحر رجال أحرار ، سقطت العروش وبقيت المواقف.
اليمن قال كلمته: كرامة الأمة لا تُشترى، ودماء غزة لن تنسى.
وسيبقى صدى الحقيقة يجلجل في التاريخ، العرب صمتوا… إلا اليمن، فقد تكلّم بلسان النار والحق.