قدّم السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في خطابه الأسبوعي الخميس الماضي، رؤية شاملة للتحديات الإقليمية، مؤكداً أن مواجهة المخططات الصهيونية تتطلب حفظ قوة الردع، وتعزيز المقاومة، وكشف التواطؤ، واستثمار الإعلام كأداة دفاعية واستراتيجية، مع الإشارة بوضوح إلى أن استمرار التواطؤ العربي مع الاحتلال سيزيد من مخاطر الاستباحة ويضعف أي جهود لحماية الأمة العربية.
وبدأ السيد القائد كعادته في تقديم توصيف للمشهد الفلسطيني، بدءاً بالمأساة الكبرى في قطاع غزة، مروراً بالوضع في الضفة، والانتهاكات التي تطال المسجد الأقصى، مؤكداً أن العدو الإسرائيليَّ يواصلُ جريمةَ القرنِ في قطاعِ غزّةَ على مرأى ومسمعٍ من العالمِ أجمع، ومشاهدُ الإبادةِ الجماعيةِ مُروّعةٌ ومأساويّةٌ تدفعُ كلَّ من بقي له شيءٌ من الضميرِ الإنسانيِّ لأن يكونَ له موقف.”
وعلى الرغم من حديث العالم عن هذه المأساة بما فيها الأمم المتحدة ورئيسها الذي قال إنها يرى تدميرًا منهجيًّا للأحياءِ السكنيّةِ في قطاعِ غزّةَ وقتلًا واسعَ النطاق بمستوى لم يشهده منذ أن تولّى منصبَه، مؤكداً انه سيُبلِغ المحكمةَ الجنائيّةَ الدوليّةَ بشأنِ فداحةِ الأوضاعِ في غزّةَ والضفّةِ الغربيّة، إلا أن اعتراف الضمير الأممي هذا لم يُحرِّك ساكنًا، فالقانونُ الدوليُّ أصبح مجرّدَ ديكورٍ أخلاقيٍّ لا يُلزِم أحدًا، فرغمَ الجرائمِ بكلِّ أشكالِها وأنواعِها المتعدّدةِ في قطاعِ غزّةَ وما يحصلُ من إبادةٍ جماعيّةٍ، وهي في إطارِ جرائمِ الحربِ التي جرّمتها القوانينُ الدوليّةُ والمنظّماتُ الإنسانيّةُ، إلا أن كلُّها لا تُجيزُ ولا تسمحُ بحدوثِ مثلِ هذه الجرائم.
وإضافةً إلى ما ذكره السيّدُ القائدُ من مداهماتٍ واقتحاماتٍ في الضفّةِ الغربيّة، التي انتقلت من عمليّةِ الهدمِ والتدميرِ إلى عمليّةِ استهدافِ الأبراجِ السكنيّةِ التي تحتوي على كمٍّ هائلٍ من السكّان، في تدميرٍ ممنهجٍ وإبادةٍ جماعيّةٍ نتيجةَ التخاذلِ الكبيرِ في العالمِ الإسلاميّ، فقد حذّر السيّدُ القائدُ من ذلك التخاذلِ ومن تهديداتِ الكيانِ الصهيونيِّ، وقال: “إنّ تهديداتِ العدوِّ الإسرائيليِّ تتّجهُ نحوَ الأمّةِ الإسلاميّةِ جميعًا، ولا تنحصرُ على الساحةِ الفلسطينيّةِ، ومشاهدُ الإبادةِ الجماعيّةِ المُروّعةِ والمأساويّةِ تدفعُ كلَّ من بقي له شيءٌ من الضميرِ الإنسانيِّ لأن يكونَ له موقف.”
وعلى سبيلِ الذكرِ في هذا الاتّجاه، لم يقفِ الأمرُ عندَ مرحلةِ التخاذلِ فقط، بل وصلَ الحالُ إلى مرحلةِ التواطؤِ مع العدوِّ الصهيونيِّ وبيعِ القضيّةِ العربيّةِ الفلسطينيّة، فقد جاءت بعضُ الدولِ العربيّةِ، وفي مقدّمتها السعوديّةُ والإماراتُ والأردن، لفتحِ منافذَ برّيّة، بينما كثّفت الإماراتُ من رحلاتِها الجويّةِ لتغطيةِ العجزِ الحاصلِ نتيجةَ الحصارِ الجوّيِّ والبحريِّ المفروضِ على الكيانِ الصهيونيِّ من قِبَل اليمن، ويأتي كلُّ ذلك في إطارِ المساعدةِ والتواطؤِ الواضحِ، وصولًا إلى مرحلةٍ تُظهر أن هذه الأنظمةَ لا تمثّلُ سوى أدواتٍ صهيونيّةٍ متواجدةٍ في المنطقة.
واليوم، وعندَ متابعةِ ما يحدث، لم تعُد المسألةُ متعلّقةً بتجاوزِ العدوانِ الصهيونيِّ لقطاعِ غزّةَ أو جنوبِ لبنانَ أو غيرِهما، بل امتدّ إلى ما هو أبعدُ من ذلك، حتى إلى حلفائهم مثل قطر، وما حدثَ لأسطولِ الصمودِ في تونس وسوريا، حيثُ يُعتبرُ النظامُ هناك أكبرَ حليفٍ ومتواطئٍ مع الكيانِ الصهيونيِّ، يتمُّ استهدافُه بينَ الحينِ والآخر، مع التمدّدِ في أراضيه، حتى وصلَ الحالُ من هذا التواطؤِ والخذلانِ إلى تركِ المقدّساتِ الإسلاميّةِ وخيانتها، وفي مقدّمتها المسجدُ الأقصى، ليستمرَّ العدوُّ في انتهاكاتِه وتهويدِه، لكن هذه المرّةَ بمشاركةِ وزيرِ الخارجيّةِ الأمريكيّةِ المجرمِ ماركو روبيو.
وقد نبَّهَ السيّدُ القائدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى خطورةِ هذا الموقف، بأنَّ أداءَ روبيو ونتنياهو للطقوسِ التلموديّة معًا يُنبِّهُ الأمّةَ الغافلةَ إلى أنَّ التوجّهَ الأمريكيَّ والصهيوني واحد، وتصريحاتُ المجرمِ نتنياهو عقبَ افتتاحِ النفقِ تؤكّد أنَّ تلك الطقوسَ تعبِّر عن قوّةِ التحالفِ الأمريكيِّ مع العدو الإسرائيليِّ، فكانت أكبرَ رسالةٍ للدولِ العربيّةِ بأنّ أمريكا تقفُ إلى جانبِ الكيانِ الصهيونيِّ، وأيُّ قراراتٍ ستُتخذُ ضدَّ الكيانِ فإنَّ أمريكا ستقفُ معه، لأنّ الحربَ في نظرِهم حربُ أديانٍ ضدَّ الدينِ الإسلاميِّ، كما أعلنَها بوشُ الابنُ في فترةِ رئاسته بأنَّها حربٌ صليبيّة.
مجزرة صبرا وشاتيلا تجلي للحقائق
ولم يتوقف العدوُّ الأمريكي عند هذا الحدّ من الدعم للكيان الصهيوني، بل ذهب إلى محاولةِ نزعِ سلاحِ المقاومةِ الإسلامية في جنوبِ لبنان (حزب الله)، وقد تطرّق السيّد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى هذه الجزئيّة وأهمّيّةِ السلاحِ في مواجهة العدوِّ الصهيونيِّ، واستدلّ بخيرِ شاهدٍ على ذلك مجزرةُ صبرا وشاتيلا، التي وضّحت الكثيرَ من الحقائق حول المخاطرِ الكبيرة لنزعِ السلاح، وعندما يتم نزعُ السلاح الذي يحمي الشعوب تُستباحُ حياةُ الناس، ولا تبقى هناك أيّةُ حرمةٍ لها، فسلاحُ المقاومةِ صمامُ أمانٍ وحصنٌ لحمايةِ الشعوب ودفعِ الإبادةِ الجماعية عنها.
وفي هذا الاتجاه نجدُ قادةً عسكريين من الكيانِ يقولونَ إنّ من لديه القوّة هو الوحيد القادر على مواجهة المخطّط الصهيوني الذي أعلن عنه نتنياهو في الأمم المتحدة، بأن الكيان المؤقت في صدد إعلان (إسرائيل الكبرى) وتضمُّ أجزاءً من الدول العربية (ثلثي السعودية وجزءاً من العراق ولبنان وسوريا وجزءاً من مصر)، وهذا إعلانُ حربٍ حقيقيّة ضد الوطن العربي،
في المقابل، لا نجد بأي شكل من الأشكال العربيّ الوقوف والتصدي لمثل هذه المخططات، إلا من خلال المقاومة، ولذلك من الأهداف الأساسية التي وضعت على عاتق الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني نزع سلاح المقاومة بأي شكل من الأشكال، وحينما كانت لبنان منزوعة السلاح قبل أن تكون هناك حركة المقاومة الإسلامية (حزب الله) كانت مجزرة صبرا وشاتيلا أكبر دليل على ذلك.
وعندما تم الاتفاق لوقف إطلاق النار بين (حزب الله) نهاية العام المنصرم والكيان الصهيوني، لم يطلق الجيش اللبناني على الكيان حتى رصاصة واحدة، رغم الاختراقات التي وصلت من قبل الكيان إلى أكثر من (4500) اختراق لتلك الفترة على جنوب لبنان، وقد أثبتت الأحداث أن المقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله) هي الوحيدة القادرة على صد الاعتداءات الصهيونية، التي مازالت عربدتها واستباحتها للمنطقة قائمة، وطال حتى الأردن الحليف الاستراتيجي للكيان في اعتراض الصواريخ القادمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الكيان في حرب الـ12 يوماً مع العدو الإسرائيلي، فبات العدو يهددها علناً، وقد ذكر السيد القائد ذلك التهديد بقوله: (تهديدات نتنياهو بابتزاز الشعب الأردني بالماء والغاز)، والسلطات الأردنية البائسة والعميلة تدرك هذا التهديد لكنها متكأة على حليفها الأمريكي، الذي قادر على أن يجد أي ذريعة للعدو الإسرائيلي كي يتجاوز ويعتدي على حلفائه، لكن أدرك الجميع أن أمريكا لا تريد إلا حماية الكيان الصهيوني وتتماها معه في أي مشروع يخدمه، وقد أثبتت ذلك من خلال المشروع الصهيوني الجديد وهو مشروع الاستباحة للمنطقة بشكل عام، ومؤخرًا استباحة قطر التي ركز عليها السيد القائد في خطابه من استباحة المنطقة العربية بشكل عام، بأن العدو الإسرائيلي مستمر في التهديد بالاستباحة المستمرة لقطر بعد القمة الإسلامية العربية، وتصريحات المجرم نتنياهو وما يسمى برئيس أركان جيش العدو وآخرون من الصهاينة المجرمين تؤكد على استمرار الاستباحة في أي زمان ومكان لمن يريد أن يُستهدف، وهذه جزئية من جزئيات ما يعنونه بتغيير الشرق الأوسط،
قمة هزيلة في قطر
وتناول السيد القائد موضوع القمة العربية وبيانها، مشيراً إلى أنه لا يرقى إلى مستوى الحدث وما جرى من عدوان على قطر، منوهاً إلى أنه كان من المفترض أن تكون هناك قرارات صارمة وردة فعل حقيقية تواكب هذا الحدث، لكن وجد الجميع عكس ذلك تمامًا، وتشتيت للمواقف العربية، وظهور مستوى التخاذل في الكلمات والبيان الذي كان واضحًا واستقبله السياسيون والناشطون والشعوب العربية بمزيد من الاستهزاء والاستخفاف، والتأكيد على أن حال الأمة العربية وصل إلى الحالة المزرية، التي تطرق إليها السيد القائد من مخرجاتها الضعيفة التي أطمعت العدو الإسرائيلي وشجعته على استباحة دولة قطر وغيرها، وهو نذير كبير لكل العالم الإسلامي وحكوماته وزعمائه في المنطقة، حتى لو كانت تحتضن قواعد أميركية للحماية.
وطالب السيد القائد في خطابه الحكومات العربية والإسلامية بقطع العلاقات والتعاون مع الكيان الصهيوني من خلال وقف النفط، حتى لا يحرك آلياته وطائراته بالوقود العربي، لكن وللأسف الشديد نجد أن علاقة بعض البلدان العربية والإسلامية هي علاقة دعم للعدو الإسرائيلي ويستفيد منها على كل المستويات، على عكس ما يحدث في القمم الأوروبية حيث يتم الإعلان عن مخرجات بدفع المليارات والأسلحة والإمكانات لأوكرانيا، بينما تخرج القمم العربية بخذلان وتواطؤ وتآمر على القضية الفلسطينية.
رسالة تحذير للنظام السعودي
وتناول السيد القائد في خطابه حظر الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر من قبل اليمن، مؤكداً أن الحظر مستمر، وبأن من يعملون على إيقاف عملياتنا بهدف حماية ملاحة العدو الإسرائيلي، فإن كل جهودهم فاشلة، فلم يجد العدو الإسرائيلي أمامه اليوم من خيار إلا أن يعيد استخدام أدواته في المنطقة المتمثلة على سبيل المثال بالسعودية التي أعلنت قبل أيام إنها تريد دعم خفر السواحل لحماية المياه الإقليمية.
وهنا يظهر السؤال: حماية خفر السواحل لمن؟ طالما إلى اليوم اليمن لم تمس ولا سفينة سعودية غير تلك السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، واليوم بات واضحًا بأن العدو الإسرائيلي يسعى إلى إعادة استخدام أو تدوير أوراقها من جديد، والسعودية والإمارات وغيرهم من هذه الدول قد استخدموها من قبل ولم تنجح واليوم لن تنجح في هذا الإطار، والسيد القائد قال إن: (العدو الإسرائيلي لا يعتبر السعودية استثناءً أبدًا وهي مشمولة بالمخطط الصهيوني مهما قدمت من خدمات للعدو)، والإعلان السعودي عن الشراكة مع البريطاني في البحر الأحمر هو لحماية الملاحة لكيان العدو، وكان من الممكن أن تأخذ السعودية ذلك بعين الاعتبار عندما أعلن نتنياهو بأنه يريد ثلثي السعودية، ويرى النظام السعودي الخدمات التي قدمها للكيان الصهيوني خلال الفترة الماضية لم يشفع له بأنه لم يكن ضمن أهدافه وخارطته الجديدة،
ولهذا نعتبر هذا تحالفًا سعوديًا صهيونيًا مباشرًا، وقد سبق وأن تحالفت مع “حلف الازدهار” وفشلت، وهي الآن في مأزق وتقف أمام مرحلة حاسمة، إما أن تقف مع الحق أو مع الباطل، واليوم أصبحت المسألة واضحة الاتجاه، والقوات اليمنية تعرف عملها جيدًا وتحقق أهدافها بعون الله وفضله، والسيد القائد إذا قال فعل، والمفروض أن السعودية تأخذ هذا التحذير والنصيحة التي وجهها السيد القائد بعين الاعتبار، وإلا سيكون هناك عواقب وخيمة، ونحن ندرك تمامًا أن القوات المسلحة اليوم غير القوات المسلحة بالأمس، وعلى السعودي أن يعمل بالنصح ويكون إلى صف الحق وصف إخوانه في غزة وليس ضدهم.
ونختم هذه القراءة في خطاب المرحلة بهذه الجزئية الهامة التي تطرق إليها السيد القائد بالقول: (أن يعلن النظام السعودي في هذا التوقيت في ذروة الإجرام الصهيوني الإسرائيلي في غزة والاستباحة لسوريا ولبنان وقطر ولكل الأمة فهذه خيانة للأمة ولن ينجحوا بذلك)، وهذا يعني أن الحال الذي وصلت إليه الأمة العربية من الإجرام الصهيوني بسبب التواطؤ مع هذا العدو، على وجه التحديد السعودية والإمارات والكثير من دول الخليج التي تتماها مع المشروع، حتى وسائلهم الإعلامية أصبحت لسان حال بني صهيون، وهذا شيء خطير جدًا ومؤسف. ولهذا السيد القائد يذكر الجميع بالعودة إلى الموقف الصحيح، وإلا ستكون الكارثة عليه أشد نكالًا في الدنيا والآخرة.
وفي لفتة هامة اختتم السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي خطابه بتحيته للإعلاميين قائلاً: (بالتحية إلى شهداء الإعلام وهم شهداء في ميدان مهم، والتحية لكل الشرفاء المجاهدين في ميدان الإعلام، وللفرسان وأبطال الإعلام من ينطقون بصوت الحقيقة ويخدمون الحقيقة ويواجهون كل الحملات التضليلية الباطلة)، مؤكداً على أهمية ميدان الإعلام وأهميته الكبرى وهو من أهم ميادين الجهاد.. هذه كانت رسائل السيد القائد للجبهة الإعلامية، ونحن إن شاء الله سنكون على ذلك بالكلمة الصادقة والحقيقة في وجه العدوان وتضليلاته، والله على ما نقول شهيد.