تقرير
من أعماق التاريخ، ومن قلب الجبال التي لا تنحني، خرج اليمن ليخاطب العالم بلغة الصواريخ البعيدة المدى، الذي لم يعهده البحر الأحمر من قبل. الاثنين، انطلقت من صنعاء صرخة مدوية تجسدت في عملية نوعية هزّت الموازين: صاروخ يمني أصاب سفينة العدو الصهيوني “سكارليت راي” قرب ميناء ينبع السعودي، على بعد أكثر من 800 ميل بحري من شواطئ اليمن.
لم تكن العملية ضربة عابرة في أمواج البحر، بل كانت رسالة ملحمية كتبت بمداد النار: اليمن لا تحدّه المسافات، ولا تعجزه التحصينات، ولا ترهبه القواعد الأمريكية ولا الموانئ السعودية التي تحولت إلى رئة يتنفس منها الكيان.
كما نفذت عملية أخرى ضد السفينة (MSC ABY) المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وذلك شمالي البحر الأحمر، لتعزز بذلك معادلة الردع اليمنية.
تؤكد مجلة لويدز ليست البريطانية أن الهجوم اليمني على “سكارليت راي” هو “الأبعد شمالاً” في سجل العمليات البحرية اليمنية. أما موقع “ذا ماريتايم إكزكيوتيف” المتخصص بالشؤون البحرية فقد كشف أن بيانات نظام التعريف الآلي (AIS) أظهرت أن السفينة كانت قبالة ينبع، وأن إشارتها الملاحية ظلت مشوشة منذ أسابيع، في محاولة لإخفاء مسارها، لكن ذلك لم يمنع الصاروخ اليمني من إصابتها بدقة.
الموقع نفسه أشار إلى أن المسافة بين اليمن وموقع الضربة تتجاوز 600 ميل بحري (1111 كيلومتراً)، وهو مؤشر خطير على توسع القدرات اليمنية لتطال أي نقطة في البحر الأحمر، بل وما بعده.
وأكد موقع “سيتريد ماريتايم نيوز” البريطاني المتخصص في الشؤون البحرية، أن “التهديد اليمني للسفن ذات الروابط بـ”إسرائيل” يُقيَّم على أنه بالغ الخطورة”.
وأشار المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في الموقع “جاري هورد” إلى أن الهجوم الصاروخي اليمني على ناقلة النفط “سكارليت ري” الصهيونية شمالي البحر الأحمر “يُظهر مدى التهديد الموسع الذي يشكله اليمنيون”.
وأوضح أن الهجوم اليمني على ناقلة النفط الصهيونية في البحر الأحمر، “يعتبر واسع النطاق شمالاً، ومثيرا للاهتمام”.
ونقل موقع “سيتريد ماريتايم نيوز” عن مركز المعلومات البحرية المشتركة “JMIC” القول: “نذكر صناعة النقل البحري بأن اليمنيين يمتلكون القدرة على استهداف السفن التجارية ذات الصلة بـ(إسرائيل) بعمق في البحر الأحمر وخليج عدن”.
من جهتها : وصفت مجلة “لويدز ليست” البريطانية -والمتخصصة في الشؤون البحرية- العملية اليمنية التي استهدفت سفينة نفطية صهيونية بـ”الهجوم الأبعد”.
وذكرت مجلة “لويدز ليست” أن “الهجوم الصاروخي الذي استهدف السفينة (الإسرائيلية) قبالة السواحل السعودية يعد الهجوم البحري الأبعد شمالًا الذي تنفذه القوات اليمنية”.
وفي سياق متصل، أفادت المجلة أن الشحن البحري عبر المحيط الهندي وطريق رأس الرجاء الصالح، لم يتراجع رغم الارتفاع في الأسعار، في إشارة ضمنية إلى أن العمليات اليمنية وضعت سفن الشركات بين خيارين: ترك التعامل مع العدو الصهيوني، أو الابتعاد عن مسرح العمليات الذي تطاله صواريخ ومسيّرات القوات المسلحة اليمنية.
لم يكن مكان الضربة اعتباطياً؛ فالميناء الذي استُهدفت عنده السفينة هو ينبع السعودي، أكبر موانئ تصدير النفط والبتروكيماويات. هذا الموقع يكشف تواطؤاً سعودياً مع العدو الإسرائيلي، إذ تحولت الموانئ السعودية إلى رئة بديلة يتنفس منها الكيان لتجاوز حصار باب المندب.
لكن الرسالة لم تتوقف عند الرياض؛ فالمسافة الفاصلة بين مكان العملية وقاعدة أمريكية (جرى تحديثها في ينبع بعد سحب الأساطيل الأمريكية من البحر الأحمر) حملت دلالة واضحة: اليمن قادر على بلوغ القواعد الأمريكية نفسها، وأنظمة الباتريوت العاجزة لم تحمِ حلفاء واشنطن ولا سفن “تل أبيب”.
جاءت العملية بعد أيام قليلة من جريمة اغتيال رئيس الوزراء أحمد الرهوي وعدد من وزرائه في غارة إسرائيلية على صنعاء. الرد كان سريعاً ومباشراً: إغراق سفينة إسرائيلية في شمال البحر الأحمر قرب الموانئ السعودية والقواعد الأمريكية. هكذا أراد اليمن أن يقول إن دماء قادته لن تذهب هدراً، وإن معادلة الردع لا تعرف حدوداً.
الصحف العبرية نفسها لم تُخفِ القلق؛ فقد وصفت “جيروزاليم بوست” المواجهة المفتوحة مع اليمن بأنها “ليست في صالح إسرائيل”، بينما أكدت صحيفة “غلوبس” أن السفينة المستهدفة لم تكن تبحر قرب اليمن، بل تنقلت بين مصر والسعودية، وهو ما يعكس دقة الرصد اليمني وامتداد قدراته الاستخباراتية.
وكالة رويترز وصفت الهجوم بأنه “نادر ومثير للقلق”، ونقلت عن خبراء أمن بحري أن الضربة مثلت “استعراضاً واضحاً للقوة”.
أما معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فاعتبر أن الهجوم “بداية مرحلة جديدة” في الحرب البحرية، إذ جرى في منطقة غير معتادة، وبمسافة أبعد بكثير شمالاً، ما يعني أن قواعد الاشتباك بصدد التغيير.
موقع سيتريد ماريتايم نيوز البريطاني ذهب أبعد، مؤكداً أن “التهديد اليمني يُقيّم أنه بالغ الخطورة”، وأن الهجمات الأخيرة “أظهرت توسع مدى التهديد شمالاً”، فيما حذر مركز المعلومات البحرية المشتركة (JMIC) شركات النقل من أن اليمن قادر على استهداف السفن التجارية المرتبطة بالاحتلال “بعمق في البحر الأحمر وخليج عدن”.
لم يكن التشويش على إشارات “سكارليت راي” محض صدفة، فقد أكد موقع ذا ماريتايم إكزكيوتيف أن العملية كشفت عن “قدرات حرب إلكترونية متقدمة” لدى اليمن. وبرغم محاولات إخفاء مسار السفينة، وربما تشويش ذاتي من الشركة المالكة، إلا أن الرادارات اليمنية تمكنت من تعقبها وإصابتها.
أما واشنطن، فقد ظهرت عاجزة رغم محاولاتها المستميتة لدمج صواريخ باتريوت على سفن قتالية، وفق موقع Naval News، وهو اعتراف ضمني بأن التجربة اليمنية في البحر الأحمر فرضت على الولايات المتحدة إعادة صياغة عقيدتها البحرية.
وفي مقابل التهديدات، يقدم اليمن خدمة “العبور الآمن” للسفن غير المرتبطة بالعدو، وفق ما نقلته صحيفة دي تسايت الألمانية، التي أكدت أن آلاف السفن استفادت من هذه الخدمة. هذه السياسة تثبت أن صنعاء لا تخوض حرباً عمياء، بل معركة موجهة ضد العدو الإسرائيلي وحلفائه فقط، بينما تبقى الملاحة العالمية آمنة لمن يلتزم بالحياد.
الخبراء العسكريون يجمعون على أن العملية الأخيرة دشنت المرحلة الرابعة من الدعم اليمني لغزة. لم يعد البحر الأحمر آمناً للسفن الإسرائيلية مهما تباعدت المسافة، ولم تعد القواعد الأمريكية بمنأى عن الصواريخ. أما السعودية فقد انكشفت أمام الرأي العام شريكاً صريحاً في محاولة كسر الحصار عن الكيان الإسرائيلي.
إن استهداف “سكارليت راي” وMSC ABY لم يكن مجرد عمليات عسكرية، بل إعلان يمني صريح أن البحر الأحمر تحوّل إلى ميدان ردع، وأن كل ميل بحري جديد تضرب فيه الصواريخ اليمنية يضاعف قلق “تل أبيب” وواشنطن والرياض. لقد أخطأ العدو حين ظن أن الاغتيالات في صنعاء ستكسر إرادة اليمنيين. فجاء الرد من أعالي البحر الأحمر: اليمن باقٍ، أقوى، أبعد مدى، وأكثر عنفواناً، ولن يركع.
هذه العمليات ليست فقط ضد سفينتين، بل هي ثلاث رسائل مكتوبة بلغة الصواريخ: إلى “تل أبيب”: لا مرفأ ولا ميناء سيحمي سفن الكيان، واليمن قادر أن يطالها حيثما كانت. إلى واشنطن: القواعد العسكرية في ينبع تحت مرمى النيران، وأنظمة باتريوت عاجزة حتى عن صد صاروخ يمني وحيد. إلى الرياض: انكشف كل شيء وظهر كل قبيح، وظهر للجميع أن المملكة تفتح موانئها للعدو الأزلي، ومتورطة في حصار الأمة. واليمن يحذّر أن نار البحر ستصل حيث شاء.
هكذا، تتكامل اللوحة: دماء الشهداء في صنعاء، وصاروخ يتخطى ألف كيلومتر ليصيب الهدف، واعتراف دولي بقدرات يمنية جديدة، وإرادة صلبة تزداد صلابة كلما تصاعد العدوان. إنها ملحمة الردع اليمني التي تُسقط أوهام التفوق الصهيوني والأمريكي، وتفضح السعودية شريكاً في الحصار.
ها هو اليمن يقول كلمته: من صنعاء إلى أعماق البحر الأحمر، ومن باب المندب إلى ينبع، ومن حدود غزة حتى قلب “تل أبيب” نحن حاضرون، أقوياء، ثابتون. دماؤنا لا تهدر، وصواريخنا لا تخطئ، ومعركتنا لن تتوقف حتى يركع العدو صاغراً تحت وطأة الحق والردع.
اليمن اليوم ليس مجرد بلد محاصر؛ بل هو قلعة تتنفس ناراً، ومع كل شهيد يسقط تولد معادلة جديدة، ومع كل صاروخ يُطلق تُكتب صفحة في كتاب الحرية. العدو الصهيوني ورّط نفسه في مواجهة شعب لا يعرف الخضوع، وكل ما هو آتٍ أشد وأقسى.