بقلم الشيخ:زياد أحمد عبدالله عاطف*
تُعدّ القبيلة اليمنية ركيزة أساسية في البنية الاجتماعية والوطنية لليمن، وهي تمثل منذ القدم عموداً فقرياً لحياة الشعب، ومصدراً لا ينضب للقيم الأصيلة من الكرم والإباء والشجاعة والولاء للدين والوطن. ولعل ما نشهده في هذه الأيام من استعدادات وتحضيرات واسعة لاستقبال ذكرى المولد النبوي الشريف، إنما يعكس عمق الارتباط الروحي والوجداني للقبيلة اليمنية برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجذر مكانته العظيمة في وجدان اليمنيين منذ أن أنارت دعوته قلوبهم وأرضهم.
تتسابق قبائل اليمن من أقصاها إلى أقصاها في هذه المناسبة المباركة لتجسيد أسمى صور الوفاء والاعتزاز برسول الأمة، فتقام المجالس والندوات، وتُزيّن القرى والمدن بالأضواء الخضراء والشعارات المعبرة، وتُهيأ الساحات العامة لاستقبال الحشود المؤمنة التي تتجمع لتعلن للعالم أن محبة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي منهج حياة وولاء متجدد يتوارثه الأبناء عن الآباء.
وتبرز في هذا السياق مساهمة القبائل بشكل استثنائي في حشد الإمكانات المادية والبشرية لإنجاح فعاليات المولد النبوي، حيث تتحول القرى والمناطق إلى ورش عمل جماعية يشارك فيها الشيوخ والشباب والنساء، في صورة حضارية تعكس التلاحم الاجتماعي والروح الإيمانية التي تميّز اليمنيين.
إن هذا التفاعل الكبير من قبل القبائل يبعث برسائل قوية للعالم، تؤكد أن الشعب اليمني متمسك بهويته الإيمانية، وأنه رغم التحديات والصعوبات الاقتصادية الناجمة عن العدوان والحصار، فإن اليمنيين قادرون على أن يجعلوا من هذه المناسبة محطة جامعة تعزز الصمود وترسخ الانتماء لمحمد وآل محمد.
ولا يقتصر دور القبيلة اليمنية على الجانب الديني والروحي فحسب، بل يتعداه ليعانق قضايا الأمة الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين. فمنذ عقود طويلة، كانت القبيلة اليمنية حاضرة في ساحات النصرة المعنوية والسياسية والميدانية للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية إسلامية مركزية لا تقبل المساومة.
وفي ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من إبادة جماعية وحصار خانق وعدوان وحشي من قبل الكيان الصهيوني اللقيط والمؤقت، تؤكد القبائل اليمنية موقفها الثابت إلى جانب الفلسطينيين، ليس فقط عبر البيانات والوقفات التضامنية، بل أيضاً من خلال جمع التبرعات والدعم المالي والعيني، وإرسال القوافل الرمزية كتعبير عن عمق الارتباط الأخوي والمصير المشترك.
إن القبيلة اليمنية بوعيها ووفائها لمبادئها الأصيلة، تعتبر الدفاع عن فلسطين دفاعاً عن العرض والشرف والكرامة والدين، وترى أن ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من جرائم إنما يستهدف الأمة كلها، ومن هنا فهي لا تتأخر في إعلان موقفها الشجاع والصريح في مواجهة هذا الكيان الغاصب الذي كتب له التاريخ أن يكون كياناً عابراً وزائلاً مهما طال به الزمن.
اللافت أن مشاهد الاحتشاد القبلي لإحياء المولد النبوي الشريف تتداخل مع مشاهد التضامن الواسع مع الشعب الفلسطيني، وكأن اليمنيين أرادوا أن يربطوا بين حبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين تمسكهم بنصرة قضيته الأولى التي أوصى بها وهي قضية القدس وفلسطين. فإحياء المولد النبوي بالنسبة للقبيلة اليمنية لا ينفصل عن الموقف العملي في مواجهة الاستكبار العالمي والعدو الصهيوني، لأن محبة الرسول تُترجم عملياً في الوقوف مع المستضعفين والتصدي للظالمين.
إن القبيلة اليمنية اليوم تقدم نموذجاً فريداً في الجمع بين التمسك بالهوية الدينية والقيام بالمسؤولية القومية والإنسانية. فهي من جهة تحافظ على طابعها الأصيل في الاحتفاء بالمولد النبوي بما يحمله من دلالات روحية وثقافية، ومن جهة أخرى تؤكد حضورها السياسي والإنساني في نصرة فلسطين، لتقول للعالم: إن اليمنيين، رغم جراحهم وحصارهم، لا يمكن أن ينسوا أشقاءهم ولا أن يتخلوا عن واجبهم تجاه القدس والمسجد الأقصى.
وبهذا، فإن القبيلة اليمنية تثبت مرة بعد أخرى أنها ليست مجرد مكوّن اجتماعي، بل هي طاقة فاعلة ورصيد استراتيجي، يحمل في طياته القيم الإيمانية والروح الجهادية التي تجعلها حاضرة في كل منعطف تاريخي، لتبقى على الدوام شاهدة على عمق أصالة اليمن وأبنائه، وموقفهم المبدئي الثابت إلى جانب قضايا الأمة العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
*شيخ ضمان بني حجاج- قبيلة عيال سريح – محافظة عمران.