ما إن يلوح في الأفق نسيم المولد النبوي الشريف وتبدأ أنوار هذه المناسبة العظيمة بالاشتعال في قلوب اليمنيين، حتى ترى المنافقين يزحفون من جحورهم النتنة، يتخبطون كالعميان، ويصرخون صراخ الخاسر الذي يعرف أن نهايته تقترب.

هؤلاء الممسوخون لا يملكون إلا الثرثرة والدجل والدعايات السمجة التي لا يصدقها طفل صغير، يحاولون أن يثيروا الغبار في وجه شمس محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- التي أشرقت قبل أربعة عشر قرنًا وما زالت تنير الكون. إنهم لا يحاربون مناسبة دينية، ولا يخاصمون طقوسًا جانبية، بل هم في الحقيقة أعداء للنبي نفسه، أعداء لنور الله الذي يأبى إلا أن يتمه ولو كره الكافرون.

هؤلاء الممسوخون الذين لا يستحون، الذين فقدوا رجولتَهم وإنسانيتهم، أظهروا حقيقتَهم بألسنتهم القذرة، حين خرج أحدُهم على شاشاتهم الموبوءة ليعرضَ عرضَه ونساءَه كما تعرض البهائم في الأسواق. هل بعد هذا الانحطاط انحطاط؟ وهل بعد هذه الدناءة دناءة؟ رجل يزعم أنه يملك غيرة أَو شرف، ثم يقول بلسانه العفن إنه مستعد أن يهدي النساء كأنهن سلع رخيصة، فيا للخسة التي لم يعرف التاريخ مثيلًا لها. مثل هؤلاء ليسوا خصومًا سياسيين ولا منافسين فكريين، إنما هم لطخات سوداء في وجه الإنسانية، وحثالة لا تصلح إلا أن تدفن في مزابل التاريخ. ومع احترامنا للشرفاء والأحرار الذين لا يبيعون دينهم ولا وطنهم، فإننا نعرف أن اليمن مليء بالرجال الأوفياء الذين يقفون في الصف الأول؛ دفاعًا عن نبيهم ودينهم وأرضهم.

أما الشعب اليمني، فهو أدرى الناس بطينة هؤلاء، وقد جربهم مرارًا، فما رأى منهم إلا الخيانة والغدر والعمالة للخارج، وما سمع منهم إلا الكذب والخداع، وما لمس منهم إلا الارتزاق على حساب الدين والمقدسات والأرض والعرض. وهم أغبياء إلى حَــدِّ يثير السخرية، يتصورون أن هذا الشعب سيسمح لهم أن يعيثوا في الأرض فسادًا دون حساب، وكأن دماء الشهداء ودموع الأُمهات ستضيع هباء. ألا يعلمون أن هذا الشعب الذي يخرج بالملايين في يوم المولد ليجدد بيعته للنبي الأكرم، هو نفسه الذي يخرج بالسلاح في ساحات الوغى ليطهر أرضه من رجسهم؟ ألا يدركون أن كُـلّ مناسبة للمولد النبوي صارت موعدًا مقدسًا لتطهير الأرض من قذارتهم، حتى صار الناس ينتظرون المولد لا بالزينة والأنوار فحسب، بل بالبشارات والنصر والتمكين؟

ومن يتأمل الأحداث يرى هذه الحقيقة واضحة كالشمس: بعد كُـلّ مولد، تأتي الانتصارات، تتساقط معاقلهم كما يتساقط الورق اليابس، وتنفضح عمالتهم كما تنفضح العورات المكشوفة. وكأن الله جعل المولد موعدًا لتجديد غربلتهم من بين الناس، فلا يمر عام إلا ويزداد الشعب يقينًا بأنهم عدو لدود لمحمد وآل محمد، لا يمتُّون إلى الإسلام بصلة، ولا يعرفون من القرآن إلا حروفًا يلوكونها بلسان الكذب والنفاق.

أي إسلام هذا الذي ينتمي إليه من يتغذى على السحت والحرام، ويقتات من المال المدنس، ويبيع دينه وعرضه بدراهم معدودة؟ أي نسب لهم بمحمد وهو الذي طهره الله وأهله تطهيرًا؟ أي علاقة لهم بنبي الرحمة، وهم غلاظ شداد على المؤمنين، أذلة أذلاء أمام أسيادهم من الكفار؟ إنهم في الحقيقة لا يكرهون المولد لأنه بدعة كما يزعمون؛ بل لأن المولد يفضح غربتهم عن محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، يكشف أنهم ليسوا من أمته، وأنهم مُجَـرّد عالة تسكن بين المسلمين كما تسكن الديدان في الجروح.

ومع ذلك فإن سنن الله ماضية فيهم، كلما ظنوا أنهم سيخدعون الناس أَو سيقلبون الحقائق، ساقهم الله إلى حتفهم بذنوبهم، فهم كمن يحفر قبره بيديه. وما قول الله إلا الحق: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَو يُنفَوْا مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وهذا وعد من لا يخلف الميعاد.

فترقبوا، أيها اليمنيون الأحرار، ما وعدكم الله به، نصرة تشفي قلوبكم، وتثلج صدوركم، وتقر أعينكم بفضيحة أعدائكم، وتجعل من كُـلّ محاولة لهم لإطفاء نور الله وقودًا جديدًا يفضحهم أكثر، ويقرب هلاكهم أكثر. واعلموا أن المولد الشريف سيبقى يوم النور والكرامة والولاء لمحمد وآله، وسيبقى يوم الخزي والعار لكل من تجرأ على نوره أَو ناوأ رسالته.

{وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ}