hajjahnews

المجتمع العربي وازدواج الشخصية

فارس العليّ

الفجوة بين الحاكم والمحكوم هي فجوة اعتبارية و نفسية أكثر منها حقيقة ، وما إن تحدث حتى تتسع من طرفيها المتخاصمين < حاكم و محكومين > تتفاقم وتنتهي حتما ككل فجوة حدثت على طول التأريخ بالثورة ، إلا أن يتم استئصالها وذلك بردمها و معالجة أسبابها .

فارس العليوبطبيعة المكابرة التي يغذيها منطق النفاق والكذب والإستغفال والإستبعاد من قبل الحاكم نتيجة محاولة إيجاد مبررات حتى وإن كانت منطقية تكون الرعية قد نسجت حكايتها وتغلفت ببواطل كثيرة ، وهناك تزيف الخصوم أسبابا ونتائج ممن يقفون كطرف ثالث في لعبة التبادل تلك ، وهي لعبة تنشأ اثناء الفجوة وتخلق لنفسها تشاعيب ومهمات و ألغاز واحاجي الى أن تصبح بتلك الصعوبة والإحتراب بمكان ، درجة أن هذا الطرف يصبح الأخطر والأكثر مبالغة و بشاعة لأنه وسط تكاثره الملائم ، و الآن بإمكان أي فجوة حادثة أن يدرس الطرفان ابعادها و اسبابها سعيا لفك شفرتها ، و عليهم ادراك أن الطرف الثالث لايمكن أن يسمح لهم بالحل ولو على سبيل المماطلة الى ان يجد لنفسه قواقع يختفي فيها ، فهل يمكن للحالة اليمنية أن تدرك فجوتها قبل أن تبتلع الجميع الى الثقب الجحيمي .

يقول المفكر العراقي علي الوردي : أن المجتمع العربي مصاب بمرض ازدواج الشخصية .

و يعمم ذلك القول بأثبات العربي بداوة ممارساته “العشائرية” في حين يتشدق لسانه بقيم وتعاليم الإسلام، وأن هذا الإنفصام يكون أكبر كلما اقتربنا من الصحراء حيث يعش البدو ويقل بنسب متفاوتة في المدن ، و كلما توافرت أشكال الحياة الحضارية في تلك المدن تقل نسبة تصارع الأضداد داخل الشخصية ، نظرا لانفراج المدينة وظروفها العلمية والعلمية، في حين تزيد الخرافة والجهل بفعل المنطق العشائري وحاجته لمظهر الإسقواء والتفاخر والتباهي والتعالي وهو وجود مناسب لتكاثر الوعظ الديني ، وفي اليمن من ادناه الى اقصاه و بمختلف مشاربهم وطوائفهم ، احزاب تقدمية كانوا او جماعات اسلامية يعيشون هذا الانقسام النفسائي ما بين وعاظ مكررين ومرددين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية او تلك المقولات السياسية والفكرية والفلسفية ، الا أن المحصول واحد ما في القلب غير ما في اللسان ، الظاهر غير الخافي ، ما في القلب رغبة العيش بالمظاهر التي تغلب عليها عادات وتقاليد المجتمع ، وتقديرهم للمادة والمظهر والمال والجهاة ، وما بين المبادئ والقيم التي يستجلبها الفرد لحظة النصيحة القيمية اقصد حينما يتلبسها ليصبح شكلا ﻻ مضمونا .. ذلك الفرد ذو القيم المثلى ، و عندما يتفشى هذا السلوك المريض المنفصم في شخصية الحاكم يكون قد انتقل بنفس الطريقة التنكرية لدى المجتمع ، يبدأ الحاكم بوضع نفسه محط الإعجاب او العكس وعندما يتواجد في الاخيرة تكون الفجوة قد حدثت بالفعل، ومن خلال تراكم أخطائه يصبح المجتمع كافرا بكلما يأتي به لاحقا حتى في حالة الصواب لن يكون هناك وعاء لإستحسانه لأن الهوة في هذه الحالة دائما بلا قاع ، وبما أننا اشرنا سابقا لطبيعة شخصية المجتمع المنفصمة التي تريد شيئين كلاهما عكس بعض، بفعل الظروف المتوافرة كالجهل والامية والبداوة وانتشار التيارات الإسلامية التي تنامت برعاية السلطة لتوظيف خطابها الديني ، فإننا نلحظ الضدين متواجدين فالإسلام عكس البداوة ، الأول يقول بالعدالة والمساواة والتسامح ونبذ العنف لكنه تشوه منذ البداية – وهذه قصة أخرى يمكن ااكتابة عنها ﻻحقا – فيما البداوة تمثل خصائص العشيرة وهي على العكس تماما ، لكننا سنجد هنا فرصة سانحة للتلويح بها وهي المولود الخدج الذي ولد في هيئة مسخ هجين لتركيبة سلوك السلطة الفاسدة ، وصفات البدو التي أتى الاسلام اليها وانتقل بها فجأة الى معارك عززت مفاهيم القوة والتعالي والسبي، ولم يحدث الخلاف بين المسلمين “كعشائر” في عصر الرسول او أبو بكر او عمر “لأنهم انشغلوا بعدوا خارجي جمعتهم عليه نفس العداوة” كما يوضح ذلك الوردي في كتابه “وعاظ السلاطين” لكن الأسوأ في الحالة اليمنية لم يأتي بعد.. حيث انقسام اليمنيين الى طرفين رئيسيين ، سلطتين وشعب انقسم على ايديولوجيتين كلاهما تسندهما قوة دينية على المستوى الداخلي والخارجي ، والكارثة الحقيقية :

تمثل قوى الحداثة الوطنية عصب خطابهما السياسي والاعلامي يؤدون وظيفة الواعظ تماما وهنا تكمن المشكلة اليمنية في اعصى تجلياتها العربية و الاسلامية و العالمية .